في الوقت الذي أصبح فيه الحديث عن الفيروسات هو الشغل الشاغل لوسائل الإعلام المحلية والعالمية، جاءت دراسة حديثة لتبدل مفاهيمنا الراسخة عن الفيروسات، بعد أن توصل باحثون أميركيون من “فيرجينيا تك” لاكتشاف جديد مذهل، وهو ظهور تشابهات وراثية محيرة بين الفيروسات العملاقة والخلايا الحية.
أجرى الباحثون مسحا للتنوع الفيروسي، وفحصوا شفرات الفيروسات الوراثية من خلال قواعد بيانات الميتاجينوم، وجمعوا منها تفاصيل الجينومات المفترضة لـ 501 من الفيروسات العملاقة.
وأفادت الدراسة التي نشرت تفاصيلها في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” يوم 6 أبريل/نيسان الجاري، أن الفريق البحثي وجد سلالات تطورية من الجينات الأيضية الفيروسية، مما يشير إلى علاقات طويلة الأمد بين مسببات الأمراض وعوائلها، لا يمكننا أن نفهم أهميتها التكافلية بعد.
تأثير غير مرئي
يشرح عالم البيئة الميكروبية فرانك أليوارد هذا الاكتشاف بقوله “هذا يعني أن الفيروسات كانت تمتلك هذه الجينات لملايين السنين، بل مليارات السنين، وهي جينات استقلابية خاصة بالفيروسات”.
وأضاف “بمجرد أن تصيب الفيروسات الخلية، لا يمكننا التفكير في أن الخلية لها كيانها المستقل بعد ذلك.. إن الجوانب الأساسية لوظائف الأعضاء الخلوية يتم إعادة تركيبها بواسطة هذه الفيروسات عند الإصابة”.
بعبارة أخرى، قد تكون الفيروسات العملاقة وأسلافها القدامى قد عاشت بجوار الكائنات الخلوية على مدى دهور، ليس فقط للتكاثر داخل خلاياها، ولكن لتمارس تأثيرا غير مرئي على عمليات التمثيل الغذائي الخاصة بعوائلها طوال تلك الفترة.
الفيروسات العملاقة
لا تعتبر الفيروسات كائنات حية، لكنها بالمقابل تبدي بعض خصائص الحياة مثل القدرة على التضاعف والتكاثر بالاستعانة بخلايا المضيف التي تقوم بالسيطرة عليها. والفيروسات لا تتحرك ولا تقوم بعمليات استقلاب من تلقاء نفسها، إنها في منطقة وسطى بين الحياة والجمود.
كان تحديد الفيروسات العملاقة لأول مرة في مطلع هذا القرن، وهي فيروسات كبيرة تحمل أكثر من 2500 جين، وفي عام 2003 تم اكتشاف مجموعة منها، وأطلق عليها اسم الفيروسات المحاكية، وشخصت خطأ في بادئ الأمر على أنها بكتيريا موجبة غرام.
تعرف هذه الفيروسات باسم “فيروسات الحمض النووي الكبيرة النووية الهيولية”، وهي تشكل تسع عائلات تشترك جميعها في الخصائص الجينومية والبنائية، وتتكاثر معظمها في كل من نواة المضيف والسيتوبلازم.
إحدى سمات هذه المجموعة هي الجينوم الكبير ووجود العديد من الجينات المشاركة في إصلاح الحمض النووي، وتكرار الحمض النووي، والنسخ، والترجمة.
يقول الباحثون إن الجينات الأيضية تم التعرف عليها في الفيروسات من قبل، لكن هذا شيء مختلف. فعلى ما يبدو فإن بعض هذه الفيروسات العملاقة لديها جينات خاصة تحتوي على تنوع كبير من الجينات المشاركة في التمثيل الغذائي الخلوي، بما في ذلك امتصاص المغذيات واستقلاب النتروجين.
عالم غامض
ويبدو أن الاكتشافات الأخيرة تدعو إلى نهج مختلف في فهم أصول وأساسيات علوم الحياة، إذ كتب الباحثون “كان ينظر إلى الفيروسات تاريخيا على أنها ملحقات للحياة الخلوية، من خلال عدسة تأثيرها على وفيات المضيف، بدلا من النظر إليها من خلال أي أنشطة استقلابية مباشرة خاصة بها”.
ويري الباحثون أن العدد الكبير من الجينات الأيضية الخلوية المشفرة الموجودة في جينومات الفيروسات العملاقة يسلط الضوء على وجهة نظر بديلة تلعب فيها الإنزيمات الخاصة بالفيروس دورا مباشرا في تشكيل فسيولوجيا الخلايا الحية.
ويتطلع الباحثون إلى إجراء دراسات تجريبية تستكشف كيف يمكن أن تتأثر عمليات التمثيل الغذائي للمضيف بالفيروسات العملاقة، والجينات الفيروسية المرتبطة بها.
وبغض النظر عن النتائج التي سوف يصلون إليها، يمكن المراهنة على أنه سيكون هناك الكثير من الأشياء المجهولة الجديدة التي يمكن حلها. ولهذا يرى عالم الأحياء الدقيقة محمد منير الزمان “إنها مجرد كيس من الغموض ومثل غابة كبيرة نقف أمامها ونجهل ما فيها”.
نقلا عن الجزيرة