كانت الثورة السورية في بادئ الأمر عبارة عن أصوات علت في ساحات مدنها وقراها وطالبت بالحرية وتحقيق العدالة، لم يكن يعلم من خرج وقتها أن النظام سيقود البلد إلى الهلاك وسيعمل جاهدا على حرق وقتل كل نفس تأبى الخضوع له وتمجد بطولاته، خمس أعوام مضت وبوتقة الحرب تتوسع أكثر لتطال كل شبر فيها، لا شيء تغير فيها سوى أساليب النظام القمعية والتي يتفنن بها لتعذيب من خرج عن سيطرته متناسيا كافة معايير الإنسانية.
ونشرت صحيفة الوطن الموالية للنظام مقالا عن الواقع الطبي في حلب استهلته بالتهليل لإنجازات الحكومة الموقرة في دعم المشافي ولا سيما مشفى حلب الجامعي الذي يغص بالجرحى جراء الاعتداءات الإرهابية بحسب وصفها على المدنيين والعسكريين المرابطين في الجبهات، ورغم التحديات والصعوبات التي تعترضهم يوميا إلا أن المشافي بحالة استنفار لاستيعاب كافة الحالات وتأمين العلاج لها.
وصرح معاون وزير التعليم العالي للشؤون الصحية “للوطن” حسن الجبه جي أن عدد الجرحى يصل يوميا لما يقارب 100 جريح في مشفى حلب الجامعي، كما أكد على حرص الوزارة على تأمين المستلزمات الطبية وأدوية العمليات والتخدير والمسكنات والسيرومات، بالإضافة لجاهزية المشفى من الأوكسجين وتجهيزات الأشعة والمخبر وغيرها من الخدمات والإحصائيات التي قدمها واستهل وقته في ذكرها.
من يتابع تلك التصريحات والاهتمام بالقطاع الطبي يظن أن مسؤولي النظام على قدر كبير من الإنسانية والرحمة، وحريصون كل الحرص على سلامة المواطنين وصحتهم، وأن الجماعات الإرهابية المسلحة هي المسبب بارتفاع أعداد الجرحى يوميا، إلا أن الواقع يختلف كليا عما يدعون، فعدد الشهداء والمجازر التي ترتكبها طائرات النظام الحربية بمساندة حليفتها روسيا كفيل بتكذيب ادعاءاتهم.
لم تترك طائرات النظام أي مشفى أو نقطة طبية في المناطق المحررة إلا واستهدفتها بعدة غارات ودمرتها كليا أو جزئيا، ولعل مشافي أحياء حلب الشرقية خير دليل على انعدام الحس الإنساني لديهم، فقد خرجت ستة مشافي عن الخدمة الشهر الماضي نتيجة استهدافها بمختلف أنواع الصواريخ المحرمة دوليا، وما لبث أهلها أن ذاقوا لذة النصر بفك الحصار عنهم إلا وعاود النظام التقدم وإطباق الحصار عليهم من جديد.
ونظرا للحصار المحكم على تلك الأحياء يشهد الواقع المعيشي تراجعا فالأسواق شبه فارغة من المواد الغذائية الأساسية، وتخوف من حدوث أزمة إنسانية قد تكون أشد وطأة من سابقتها، ولا سيما القطاع الطبي الذي يعاني في الأصل من ضعف الإمكانيات والتجهيزات لاستيعاب عدد الجرحى الكبير الذي يخلفه القصف وجلهم من الأطفال.
يخرجون أمام إعلامهم ويتشدقون بإمكانياتهم والدعم الكبير الذي تحظى به مشافيهم، غير آبهين بأولئك الذين يصابون يوميا من شظايا صواريخهم ويموتون دون أن يجدوا من يسعفهم، وبعد ذلك ينسبون الإجرام للجماعات المسلحة متناسين إجرامهم وطائراتهم التي لا تكاد تفارق سماء المدن المحررة.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد