جرى في الأسبوعين الأخيرين الإعلان عن هدنة لمدة ثلاثة أيام في سوريا بهدف وقت العمليات العسكرية وما يرافقها من قتل وتدمير وتهجير، لتوفير أجواء تساعد بالمضي نحو حل سياسي وفق التصورات الدولية، التي تتابعها الأمم المتحدة عبر مبعوثها الدولي ستيفان دي ميستورا، وبدعم من الولايات المتحدة وروسيا. ثم جرى الإعلان من جانب نظام الأسد عن تمديد تلك الهدنة. رغم أن الأولى لم تمر دون خروقات فاضحة من جانب نظام الأسد وقوات حلفائه في قصف المدن والمناطق السكنية، خصوصًا مع شن هجمات برية واسعة، وهو ما ردت عليه قوات من المعارضة المسلحة من باب “الدفاع عن النفس” حيث أمكن ذلك.
المكرر في الهدنة الثانية، كان استمرار هجمات النظام وحلفائه الإيرانيين والميليشيات الشيعية وسط دعم جوي روسي لأغلب تلك الهجمات، وخصوصًا الهجمات في حلب شمالاً، التي ترافقت مع هجمات على مدينة داريا على سوار دمشق الغربي.
تمديد النظام للهدنة، وما رافقها من خرق مكثف من جانبه، كان يحمل رسالتين، أولى الرسالتين كانت موجهة للرأي العام وللعالم الخارجي، جوهرها أن نظام الأسد وتحالفه، إنما يساعد عبر وقف القتال في التهدئة ودعم الجهود الدولية من أجل حل سياسي للقضية السورية، أما الرسالة الثانية، فكانت موجهة إلى السوريين وخصوصًا المعارضة المسلحة في المناطق التي تسيطر عليها، وخلاصتها، أن لا سبيل للتعامل معكم سوى من خلال الحرب والدمار، فلا هدن ولا مفاوضات ولا حلول، ووسط هذه الرسالة العامة، كانت ثمة رسالة تفصيلية موجهة إلى حلب، تؤكد مساعي نظام الأسد وتحالفه لحصار حلب عبر إغلاق معبر الكاستيلو، الأمر الذي يعني عزل حلب، وأخذها إلى الأسر والتجويع والتدمير والقتل البطيء، تمهيدًا لاجتياحها على نحو ما جرى تطبيقه في مدن أخرى، والتفصيل الآخر المتعلق بداريا، كان أشد دموية عبر الإصرار على اجتياح المدينة وتدميرها وقتل كل من فيها من أطفال ونساء وشيوخ ومقاتلين دافعوا عن المدينة الواقعة تحت الحصار منذ نحو أربع سنوات.
فكرة نظام الأسد في تمديد الهدنة بالتزامن مع محتوى ثنائية الرسالة بين الخارج والداخل، فكرة جديدة مستمدة من سلوك روسي، جرى تطبيقه في سوريا في هدنة سابقة بمدينة حلب، ووقتها قابل نظام الأسد وحليفه الإيراني وميليشياته اللبنانية الإيرانية بالتحفظ، غير أنه تراجع عن التحفظ فيما يبدو، سواء بسبب إقناعه من جانب حليفه الروسي، أو نتيجة دراسة الفكرة وتقليبها، وصولاً إلى نتيجة أنها تتوافق بشكل عميق مع استراتيجية الكذب مقرونة بسياسة القتل والتدمير، التي اعتمدها منذ بدء ثورة السوريين عام 2011.
ففي بداية الثورة ومع بدء عمليات قتل السوريين، أنكر وجود الثورة ومطالب السوريين بالحرية والكرامة، وعندما اضطر للاعتراف بالثورة، راح يصفها بأنها ثورة متطرفين وإرهابيين، ليبرر عمليات القتل المتزايد، ثم أضاف إلى ذلك، أكذوبة التدخلات الدولية السياسية والعسكرية لاستباحة الدولة السورية وتدميرها، فيما كان يستدعي حلفاءه من إيرانيين ولبنانيين وعراقيين وأفغان، ويفتح أبواب البلاد لقدوم الإرهابيين والمتطرفين من كل بلدان العالم، وعندما استعمل السلاح الكيماوي ضد المدنيين وخصوصًا النساء والأطفال في غوطة دمشق وقتل المئات منهم، كرس كذبة كبيرة على لسان مستشارة رئيس النظام، بالقول إن الإرهابيين نقلوا أطفالاً من مناطق الساحل السوري إلى الغوطة، ثم قتلوهم بالأسلحة الكيماوية، وهذه بعض ملامح استراتيجية الكذب المقرونة بالقتل والدمار والتهجير في ممارسات نظام الأسد وتحالفه من روسيا إلى إيران، إضافة إلى الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية وغيرها.
الشرق الأوسط