استدعت مدرسة في إنكلترا الشرطة لاستجواب أخوين بريطانيين آسيويين تبلغ أعمارهما 5 و7 سنوات، بشأن مخاوف من أنهما مُعرّضان لخطر التطرّف، بعدما قال الولد الأكبر أن الطفلين قد تلقيا ألعاب مسدسات كهدايا، وزعم مُدرّسون أنه قد تحدّث باللغة العربية.
وفي الواقعة التي جرت مارس/آذار الماضي؛ تم عزل الولدين عن التلاميذ الآخرين، وتم استجوابهما من قِبل ضباط شرطة يرتدون الزي الرسمي لمدة 90 دقيقة، في أعقاب إحالة الشأن إلى السلطات، وكان الإجراء بموجب استراتيجية “المنع” لمكافحة التطرّف، لمراقبة الطلاب “الذين يعتبرون معرضين لخطر الانجرار إلى الإرهاب”، بحسب ما نقل موقع Middle East Eye.
وزعم المعلّمون أيضاً أن الأخ الأكبر قد تحدّث العربية، وقال إن والده قد اصطحبه إلى مسجدٍ، بحسب حملة مجموعة Liberty للحقوق المدنية، وقالوا أيضاً إن قرار استدعاء الشرطة بحسب إرشادات الحكومة لاستراتيجية “المنع” لمكافحة الإرهاب كان نتيجة لـ”تغير سلوك” الصبي الأكبر سنّاً.
تمييز ضد الولدين
ولكن مجموعة Liberty قالت إنه لم يقم أي من الولدين، الآتيين من خلفية هندية وشرق أوسطية مُختلطة، بالتحدّث باللغة العربية، أو زيارة مسجدٍ أبداً، وأن أباهما مُسلمٌ لا يمارس الشعائر، وأمهم هندوسية لا تمارس الشعائر أيضاً.
وفي أعقاب اتخاذ إجراءٍ قانونيٍ من قِبل حملة الحريات المدنية، أقرّت سلطة التعليم المحلية بمجلس بيدفوردسير المركزي أن المعلمين قد ارتكبوا تمييزاً ضد الولدين، وقالت السلطات إنها قد عدّلت دليلها الإرشادي للمعلّمين نتيجة لتلك القضية.
واعترفت سلطة التعليم المحلية أيضاً بانتهاك حقوق الولدين بشأن الحياة الخاصة والأسرية، وحرية الدين وحرية التعبير المحمية بموجب تشريع حقوق الإنسان بالمملكة المُتحدة.
ولم يتم الإفصاح عن هوية الولدين والمدرسة التي شهدت الواقعة لحماية هويتهما.
وقد أثارت جماعات عاملة بمجال حقوق الإنسان ومُراقبون دوليون المخاوف على نحو متكرر بأن تنفيذ مهام استراتيجية المنع في المدارس قد يمس بحقوق الأطفال، ويؤدي إلى إحالات لا داعي منها بسبب ضعف التدريب وموقف أولوية السلامة بين المُدرّسين.
سياسات المملكة المُتحدة لمكافحة التطرّف “تنتهك حقوق الأطفال”
منع التطرف
طالبت لوسي آلان، وهي عضوة بالبرلمان عن الحزب المحافظ الحاكم، الجمعة 27 يناير/كانون الثاني، بإلغاء استراتيجية المنع، التي طُرِحت في قانون الأمن ومكافحة الإرهاب عام 2015، من المدارس الابتدائية ودور الحضانة.
وأشارت لوسي إلى أنه في حين أنه كان هناك أمثلة على نجاح استراتيجية المنع، تترك النتائج غير المقصودة للاستراتيجية أثرها على “بعض المجتمعات التي ترى أن ما يمكنه أن يكون تدخلاً محموداً من قِبل الدولة قد يصبح مصدراً للخوف”.
“أعتقد أن هناك الكثير من مجتمعاتنا التي تعارض بشدة الإجراءات لسبب جيد”، هكذا قالت لوسي مُضيفة أن قمع الآراء السياسية أو الدينية التي تعتبر “متحفّظةً أكثر من اللازم أو مُتطرّفة أكثر من اللازم” بإمكانه أن يُنظر إليه باعتباره استبداداً.
وتابعت قائلة إن “ما تراه الحكومة مفيداً قد يستشعره الفرد الذي يمر بتجربة التدخّل باعتباره استبدادياً، ويُحتمل أن يقوّض القيم التي نعتز بها جميعاً ونسعى لحمايتها”.
يعانيان من الكوابيس
وقالت والدة الطفلين إنهما قد أصبحا أكثر حذراً وتحفّظاً نتيجة للحادث، وعانى كلاهما كوابيس أثناء النوم، وقد انتقلا منذ ذلك الحين من المدرسة.
وبحسب رواية الأم؛ عندما ذهبت لأخذ الولدين من المدرسة، تم إبلاغها إنه قد تم استدعاء الشرطة بسبب الحادث، وأنها غير مسموح لها برؤية طفليها إلى أن تتحدّث الشرطة معهما.
وقد تم عزل الطفلين في مكتبة المدرسة لمدة 90 دقيقة قبل استجوابهما من قِبل ضباط الشرطة الذين قرروا أنه لا يوجد شيء للتحقيق بشأنه.
قالت الأم “حتى هذا اليوم؛ ليس بإمكاني أن أفهم لماذا يشك مُعلّم يعرف الأسرة لسنوات في أنشطة إرهابية بِناءً على بُندقية بلاستيكية”.
“سمتنا الوحيدة المميزة هي لون بشرتنا، لقد شعرت بالإذلال التام من قِبل تلك التجربة، ولكن الأكثر أهمية هو أن ولدي كانا مُرتابين ومذعورين”.
وتابعت “لقد اضطرا إلى الانتقال من المدرسة، وخسارة صداقات هامة، وبشكل حاسم، خسرا ثقتهماا في مُعلميهما، وسيظلان حاملين آثار التجربة لبعض الوقت”.
وقالت ديبالينا داسجوبتا، وهي موظفة قانونية لدى مجموعة Liberty ومحامية للطفلين إنه “لم يكن هناك على الإطلاق أي أسباب تدعو للاعتقاد في أن الأطفال مُعرّضون لخطر التطرّف. لقد أساء المعلمون تطبيق استراتيجية منع التطرف، لأن ما حصل كان استناداً على لون بشرتهم بشكل صِرف”.
وأضافت أنه “أمر مُشجّع أن سلطات التعليم المحلية قد أدركت أن المدرسة لم تكن أبداً لتستدعي الشرطة إذا تلقّى طفل أبيض نفس اللعبة، وقد التزمت بتحسين عملياتها في تنفيذ استراتيجية المنع”.
وتابعت قائلة: “لكن في الوقت نفسه تواصل الحكومة إجبار المعلمين على النظر للأطفال بعين الريبة، وسوف نواصل رؤية حوادث مثل هذه”.
معلّمون يثيرون مخاوف بشأن تدريبٍ يفتقر للحساسية
قالت شرطة بيدفوردشير إن الضباط قد حضروا إلى المدرسة بسبب “بلاغات بشأن القلق حيال السلامة”، وإن الضباط لم يكونوا هناك بسلطة تنفيذ استراتيجية المنع، وكانوا في المدرسة لفترة قصيرة فحسب.
وقال مجلس بيدفوردشير المركزي إن “جميع المدارس تتلقى تدريباً منتظماً على استراتيجية المنع للتأكد من أنه يتم التعامل مع أي حوادث محتملة بحساسية وبشكل ملائم”.
وقد تراجعت إحالات قانون مكافحة الإرهاب في مجلس بيدفوردشير المركزي، لكون المعلمين أكثر ثقة مما سبق بشأن كيفية التعامل مع الحوادث، لذا فإن الأمور الأكثر خطورة، التي لا يمكن التعامل معها محلياً فقط هي ما يتم إحالتها”.
وأثار معلمون مخاوفَ بشأن فعالية وسلبية العواقب المترتبة على مهام استراتيجية المنع لمكافحة الإرهاب على حد سواء، وبشأن جودة التدريب الذي يتلقونه لمساعدتهم على الوفاء بالتزاماتهم.
عيوب في طرق منع التطرف
وقالت ياسمين أحمد، مديرة مُنظمة Rights Watch (UK) التي طالبت العام الماضي بالتخلّي عن تنفيذ القانون في المدارس، في حديث لها مع موقع Middle East Eye، إن حالة الأخوين كانت “غير مفاجئِة بنفس قدر كونها صادمة” وإنها “رمزٌ للعيوب الكامنة في استراتيجية المنع”.
وأضافت أن “استراتيجية قائمة على تعريف مبهمٍ للتطرّف، ويتم تنفيذها من قِبل مُعلّمين تلقوا تدريباً وإرشاداً غير كافيين، ولكنهم حريصون على أن يُنظر إليهم باعتبارهم ممتثلين بالكامل للمهام القانونية، بإمكانها أن تؤدي إلى هذه العواقب”.
وتابعت أنه “ما لم تدرك الحكومة الآثار الخطيرة للقانون بشأن حقوق الإنسان والسياسة، وتُعِد على نحو فوري مُراجعة مُستقلّة، ستواصل حوادث مثل هذه في الوقوع مع عواقب وخيمة على الأطفال في المملكة المُتحدة”.
وقالت الحكومة إن تدريب مهام الاستراتيجية قد امتدت إلى أكثر من نصف مليون عامل بالقطاع العام، وأن مهام المنع تعد تدبيراً هاماً بسبب “التهديدات الحقيقية جداً” التي يمثلها “الإسلاميون والمتطرفون اليمينيون” على حد سواء.
وردّا على انتقاد استراتيجية المنع من قِبل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ قالت الحكومة إن “حماية التلاميذ من خطر التطرّف ينبغي أن يُنظر إليه باعتباره جزءاً من المهام الأوسع لحماية المدارس”.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.
ترجمة هافينغتون بوست عربي