أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، أنّ بلاده مستعدة لتزويد تركيا بنظام الدفاع الصاروخي المتقدّم “اس-400″، وذلك خلال كلمة ألقاها بمدينة سان بطرسبرغ الروسية مؤكدا أنّه بحث الموضوع مؤخرا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
يبدو التصريح غريبا بعض الشيء سيما وأنّنا كنّا قد رجّحنا في مقال مطوّل سابقا عدم حصول مثل هذا الأمر بالرغم من تأكيد الجانب التركي بأنّ المحادثات حول شراء هذه المنظومة الدفاعية المتطورة تسير على ما يرام، حيث سبق لوزير الدفاع التركي فكري أيشك أن أكّد في مارس الماضي أنّ المفاوضات بين مسؤولي البلدين بهذا الخصوص وصلت إلى مرحلتها النهائية.
إذا ما تابعنا كامل التصريح الذي أدلى به الرئيس الروسي فسنلاحظ بأنّ هذا الترجيح لا يزال ساريا، وأنّ ما قاله بوتين لا يعدو كونه مناورة سياسية على الأرجح.
فبعد انّ أكّد إستعداد بلاده تزويد تركيا بهذه المنظومة، أشار إلى أنّ روسيا لم تبدأ بعد بإنتاج (اس-400) خارج البلاد، قائلا: “في هذه اللحظة، نحن لا نقوم بإنتاج هذه المنظومة في الخارج، لكنّنا مستعدون لتوريد النظام إلى تركيا”.
يدرك المسؤولون الأتراك بطبيعة الحال مدى أهمّية هذه المنظومة الدفاعية، لكن وكما أكّدت تركيا دوما، فإن اهتمامها في المجالات العسكرية لا يتمثل في استيراد السلاح فقط، وإنما في الاستفادة من الشراكات لإنتاجه محليا وللحصول على التكنولوجيا المرتبطة به أيضا.
لم تخل أي من المناقصات السابقة التي أجرتها تركيا بخصوص صفقات السلاح المتطورة من هذه الشروط وآخرها الصفقات المتعلقة بالحصول على منظومة دفاع صاروخي.
الجانب الروسي يعلم هذه المعطيات جيدا، ولذلك فإن التعقيب الذي تلا التصريح الأساسي لبوتين أهم من التصريح نفسه، ذلك لأنّه يتعارض مع ما يطلبه الجانب التركي، وهو ما يعني أنّه سيكون على أنقرة في حال الموافقة أن تقوم بالشراء فقط دون المشاركة في الانتاج أو الحصول على التكنولوجيا، وهو أمر من الصعب تصوّر حصوله إلا إذا اضطرت أنقرة للحصول على عدد محدود جدا من البطاريات التي لن يتم دمجها مع منظومة الناتو.
لكن حتى في هذا السيناريو المفترض الذي نتحدّث عنه، سيكون هناك مشاكل عدّة، أهمها ما يتعلق بالتمويل.
الحكومة التركية تحاول تأمين قرض من روسيا في حال الموافقة على تزويدها بالمنظومة، وقد سبق لـ”سبوتنيك الروسية” أن نقلت عن فلاديمير كوجين، مساعد الرئيس الروسي لشؤون التعاون العسكري التقني قوله بأنه لم تتم الموافقة على إقراض تركيا لشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية المتطورة “إس-400” على الرغم من عدم وجود إعتراض على مبدأ تزويدها بها.
فضلاً عن ذلك، هناك حقيقة تقول بأنّ روسيا لم تصدّر هذه المنظومة بعد إلى أي من الدول بما في ذلك الأكثر أهمّية من تركيا بالنسبة إليها.
فعلى سبيل المثال، تشير التقارير إلى أنّ الصين ستكون أوّل من سيتم تزويده بهذه المنظومة من قبل روسيا، لكن ذلك لن يتم قبل العام 2020 على الأرجح وفقا للهيئة الفدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني، أين يضع ذلك تركيا؟
تصريح بوتين يأتي على الأرجح في توقيت لا تزال فيه العلاقات التركية- الأوروبية والتركية- الأمريكية مسمومة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى علاقة تركيا مع حلف شمال الأطلسي، ولذلك فإن فهمه من هذه الزاوية يعطي تقييما أكثر واقعية له في المرحلة الحالية على الأقل.
د. علي حسين باكير – عربي 21