لم يكن متوقعاً إزاحة ستار السرية، على الاتفاق السري بين نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، وحكومة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي تمّ بموجبه التدخّل الروسي العسكري في سورية. لم يكن من المتوقع أن يتمّ ذلك، بعد أقلّ من خمسة أشهر على توقيعه، لولا أن هناك من الموجبات لدى موسكو، ما يكفي للكشف عن بنود الاتفاق.
عادةً، المعاهدات المماثلة ذات الطابع العسكري أو الحساسة إلى درجة كبيرة، تحتاج إما إلى مرور عشرات السنين قبل إخراجها من صناديقها السرية، أو سقوط أحد طرفي الاتفاق، وفي هذه الحالة، سقوط نظام الأسد في دمشق مثلاً، قبل الإعلان عنها.
غير أنه في خضمّ الانتقادات المتزايدة لنتائج التدخل العسكري الروسي في سورية، واللوم العربي الشعبي والعتب الخليجي الرسمي، الموجّه إلى بوتين شخصياً، بصفته “صديق تربطه بقادة دول مجلس التعاون الخليجي علاقة ناشئة، قابلة لمزيد من التطور الإيجابي والتعويض عن الانكفاء الأميركي”، فاجأت موسكو العالم بتسريب بنود اتفاقها السري مع الأسد، لأسباب لا تزال مجهولة.
وعلى الرغم من غموض الدوافع التي جعلت موسكو، بعلم الأسد أو من دون علمه، تبادر بهذه الخطوة الاستثنائية في تاريخ العلاقة بين الأنظمة، إلا أنه يمكن التكهّن، أن موسكو أرادت تبرير الانتقادات الموجهة إليها بتحميل الأسد مسؤولية تدخلها في بلاده، عن طريق إبراز الدليل الدامغ، أن التدخل الروسي جرى بناء على طلبه، وبموجب اتفاق قانوني تم توقيعه في دمشق.
ويُعبّر عن هذا التفسير رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الأعلى للبرلمان الروسي كونستانتين كوساتشيف، الذي نقلت عنه وكالة “إنترفاكس”: “إن هذا المنطق يعني أن عملياتنا يجب أن تتبع أساساً قانونياً حازماً وواضحاً، ومفهوماً للجميع”.
ومن التفسيرات الأخرى، أن موسكو أرادت أن تبلغ المجتمعين في جنيف بعد أيام، لبحث الملف السوري، أن وجودها في سورية سيستمر إلى أجل غير مسمى. ومن المحتمل أن موسكو أرادت، أيضاً، إيصال رسالة إلى أي خليفة محتمل للأسد، بأن عليه أن يتعايش مع وجودها العسكري في بلاده إذا رغب في إخراج القوات الروسية.
كما تحتاج موسكو، على ما يبدو، إلى إبلاغ جميع الأطراف السورية وغير السورية، أن بنود الاتفاق تعفي الجنود الروس من أي ملاحقة قانونية على خلفية نشاطهم. وتتضمّن المعاهدة 11 مادة، موزعة على سبع صفحات في النسخة الروسية. ومن المضامين المثيرة التي تضمنها الاتفاق، منع دخول السوريين إلى القواعد العسكرية إلا بموافقة قادتها الروس. وكانت بنود الاتفاق قد نشرت في البداية بأحد المواقع التابعة للحكومة الروسية، قبل أن تتناقلها المواقع الإخبارية العالمية، وتتمحص في مضامين تلك البنود.
ويظهر في أسفل وثيقة الاتفاق، المؤرخة في 26 أغسطس/ آب 2015، توقيعان، أحدهما عن الحكومة الروسية، والآخر عن الحكومة السورية، وهو ما يؤكد أن النسخة المنشورة، هي المعاهدة النهائية وليست مجرد مسودة أولية للنقاش.
وعلى الرغم من أن التوقيعين المدرجين في الاتفاق غير محددين بالاسم، إلا أن صحيفة “فيدوموستي موسكو”، نقلت عن مصدر لم تذكر اسمه، إن الموقعين على الوثيقة، هما وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ووزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج. ويشير الاتفاق في ديباجته إلى “معاهدة الصداقة” الموقّعة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 1980، والاتفاقية الموقّعة بين وزارتي دفاع البلدين في 7 يوليو/تموز 1994. يعطي الاتفاق الجانب الروسي حق إدخال أو إخراج أي أسلحة أو ذخائر أو معدات أو مواد لازمة، لتلبية أغراضه العسكرية وضمان أمن أفراد وضباط القوات الروسية، مع إعفائهم كلياً عن دفع أي ضرائب أو رسوم.
ومن حقّ القوات الروسية، وفق الاتفاقية، التنقّل عبر الحدود السورية وداخلها، من دون عوائق، ولا توقيف عناصرها أو تعريضهم لتفتيش من جانب أي سلطة سورية. ويمنح هؤلاء وعائلاتهم حصانة كاملة من أي ملاحقات قضائية أو إدارية. كما لا يجوز مصادرة أو تفتيش معداتهم وممتلكاتهم. وتتحمّل سورية مسؤولية أي شكوى من طرف ثالث، في حال تعرّض هذا الطرف لأضرارٍ، بسبب نشاط القوات الروسية في سورية.
أبرز مضامين الاتفاق السري
ينصّ الاتفاق الموقّع بين الاتحاد الروسي والجمهورية العربية السورية على نشر قوات جوية تابعة للقوات المسلحة الروسية على أراضي الجمهورية العربية السورية. استناداً إلى أحكام معاهدة الصداقة بين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية والجمهورية العربية السورية الموقعة في 8 أكتوبر 1980، وعلى الاتفاقيات الموقعة بين وزارة الدفاع في الاتحاد الروسي ووزارة الدفاع في الجمهورية العربية السورية الموقعة في 7 يوليو 1994، والتزاماً بالأهداف المشترك لحماية سيادة وسلامة أراضي وأمن كل من الاتحاد الروسي والجمهورية العربية السورية.
واعترافاً من طرفي هذا الاتفاق بأن نشر القوات الجوية الروسية على أراضي الجمهورية العربية السورية، يهدف إلى الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، والغرض منه دفاعي محض، وليس موجهاً ضد أي دولة أخرى. وتأكيداً على شمول مهام مكافحة الإرهاب والتطرف، وإدراكاً لضرورة تضافر الجهود لدحر التهديدات الإرهابية، تم الاتفاق ما بين الطرفين على ما يلي:
المادة الأولى
بناء على طلب من الجانب السوري، ينشر الاتحاد الروسي قوات جوية تابعة له على أراضي الجمهورية العربية السورية.
المادة الثانية
مكان نشر الطيران الروسي وقائمة المرافق التي سيتم وضعها بعهدة الجانب الروسي، سيُنصّ عليها في بروتوكول منفصل لهذا الاتفاق.
المادة الثالثة
يُقدّم الجانب السوري قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية مع بنيتها التحتية، فضلاً عن الأراضي المطلوبة المتفق عليها بين الطرفين من دون أي أجور.
المادة الرابعة
تأتمر القوات الروسية وتقوم بعملياتها، بناء على أوامر قادتها، طبقاً للخطط المتفق عليها بين الطرفين. ويتمّ تحديد أنواع وكميات المعدات الجوية والذخائر والمعدات العسكرية، وكذلك عدد العناصر، من قِبل الجانب الروسي بالاتفاق مع الجانب السوري. وإن وضع المخطط التنظيمي وقائمة عناصر القوات الروسية، هي من مسؤولية الجانب الروسي.
المادة الخامسة
للطرف الروسي أن يدخل أو يخرج، من الجمهورية العربية السورية، أي معدات وذخائر وقذائف ومواد أخرى لازمة لفريق الطيران، من دون أي رسوم أو موجبات. وأن جميع الممتلكات المنقولة ومعدات البنية التحتية التي يتم نشرها من قِبل الجانب الروسي ضمن قاعدة حميميم الجوية تبقى ملكاً للاتحاد الروسي. ويحقّ لعناصر القوات الروسية عبور الحدود، بعد إبراز وثائق سفر صالحة تخولهم الخروج من سورية، ولا يخضع هؤلاء لسلطة الجمارك أو حرس الحدود.
المادة السادسة
يلتزم الجنود الروس باحترام القوانين والأعراف والتقاليد في مكان إقامتهم، الذي سيتم إعلامهم به بمجرد وصولهم إلى سورية. وتتمتع الوحدات العسكرية الروسية بالحصانة من أي محاكمة جنائية أو مدنية أو مساءلة إدارية في سورية. كما الممتلكات المنقولة وغير المنقولة التابعة للقوات الروسية، يجب أن تكون مصانة بحكم هذا الاتفاق، ولا يحق للسلطات السورية أو من يمثلها الدخول إلى مواقع تموضع القوات الروسية إلا باتفاق مسبق مع قائد القوات الروسية. كما يتمتع الجنود الروس وعائلاتهم، بجميع الامتيازات الممنوحة بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961. وتتمتّع الممتلكات التابعة للقوات الروسية بحق الحصانة والحماية.
المادة السابعة
لا يحق للجمهورية العربية السورية التقدم بأي مطالبات أو دعاوى قضائية ضد الاتحاد الروسي أو عناصر القوات الروسية متعلقة بنشاط القوات الروسية وعناصرها فرادى وجماعات. وتتحمّل الجمهورية العربية السورية المسؤولية الكاملة عن تسوية جميع المطالب التي قد يتقدم بها أي طرف ثالث، نتيجة للأضرار الناجمة عن أنشطة القوات الروسية في سورية.
المادة الثامنة
تعفي الجمهورية العربية السورية عناصر القوات الروسية من أي ضرائب مباشرة أو غير مباشرة.
المادة التاسعة
اتفق الطرفان على إمكانية تعديل هذا الاتفاق، شرط أن يتم النص على هذه التعديلات ضمن بروتوكولات منفصلة.
المادة العاشرة
جميع الخلافات الناشئة عن تنفيذ أو تفسير هذا الاتفاق يتم حلها من خلال المشاورات.
المادة الحادية عشرة
يُعدّ هذا الاتفاق قابلاً للتنفيذ عملياً من تاريخ التوقيع عليه، ويدخل حيّز التنفيذ رسمياً اعتباراً من تاريخ إخطار الطرفين عبر القنوات الدبلوماسية باكتمال إجراءات التنفيذ الداخلية المطلوبة. (لا توجد إشارة لمصادقة السلطات التشريعية على الاتفاق في أي من البلدين).
المادة الثانية عشرة
يستمر هذا الاتفاق إلى أجل غير محدد، ويمكن إنهاؤه من قِبل أي من الموقعين بموجب إخطار كتابي، على ألّا يتم إلغاء الاتفاق إلا بعد مرور عام واحد من تلقي إشعار الإلغاء من أحد طرفي الاتفاق.
وقد تمّ توقيع الاتفاق في دمشق في يوم 26 أغسطس 2015، باللغتين الروسية والعربية، بمستوى قانوني واحد في المحاججة حول المضمون الوارد في أي من اللغتين. وبموجب هذا الاتفاق بدأ التدخل الروسي في 30 سبتمبر/أيلول الماضي ولا يزال مستمراً، حتى الآن، على الرغم من أن الحكومة الروسية وقت التوقيع على الاتفاق، كانت تنكر علناً أي التزام عسكري لها مع سورية، خصوصاً خلال شهر سبتمبر، الذي شهد تصعيداً هائلاً في نقل شحنات الأسلحة والمعدات الروسية إلى القواعد العسكرية بالقرب من الساحل السوري.
ولكن بعد ذلك ألقى بوتين كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن خلالها أن روسيا ستبدأ حملة قصف جوي في سورية لمحاربة تنظيم الدولة. وبعد ذلك صدرت تصريحات غربية تتّهم روسيا بالتركيز في غاراتها على المناطق التي تسيطر عليها جماعات معارضة، بما في ذلك الجماعات التي تدعمها الولايات المتحدة.
العربي الجديد