أسفرت محادثات ثلاثية أجراها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيريه الإيراني محمد جواد ظريف والسوري وليد المعلم عن اتفاقات على «تحديد الخطوات الضرورية لتعزيز مكافحة الإرهاب»، في مؤشر إلى تصعيد عسكري محتمل في حلب التي تشهد أصلاً معارك محتدمة بعد هجوم للمعارضة لفك الحصار على أحيائها الشرقية، إضافة إلى إعلان الأطراف الثلاثة عزمها على مواجهة احتمال انتقال عناصر تنظيم «داعش» من الموصل إلى الرقة.
والتقى لافروف ظريف في جلسة محادثات ثنائية أمس، أعقبها انضمام المعلّم إليهما. وألقى الوزير الروسي بياناً في مؤتمر صحافي مشترك عقده الوزراء الثلاثة في ختام اللقاء، أكد فيه اتفاق موسكو وطهران ودمشق على تعزيز جهود «محاربة الإرهابيين حتى النهاية»، كما أشار إلى تعهد الجانبين الروسي والإيراني بتقديم مساعدات اقتصادية لدمشق.
وشدد لافروف على ضرورة «تصفية الإرهابيين حتى النهاية. وفي الوقت الذي ينخرط فيه شركاؤنا الغربيون في محاربة الإرهاب بالأقوال فقط، فإننا عازمون على مواصلة العمل حتى النهاية». وأكد أن موسكو وطهران ترحبان باستعداد وفد الحكومة السورية للتوجه إلى مفاوضات جنيف «ولو غداً»، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة تكثيف جهود محاربة الإرهاب.
ولفت الوزير الروسي إلى أن الدول الغربية التي سبق لها أن فرضت عقوبات ضد سورية، تتحمل جزءاً من المسؤولية عن تدهور الوضع الإنساني للسكان المدنيين. مشيراً إلى أن على المجتمع الدولي أن يُطلق مشروعاً لإنهاء آثار الحرب وإعادة الأعمار مماثلاً لمشروع «مارشال» في نهاية الحرب العالمية الثانية. وزاد: «أكدنا أن المسؤولية عن تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي، لا يتحملها الإرهابيون فحسب، بل والدول التي تفرض عقوبات اقتصادية غير شرعية ضد سورية، تستهدف بالدرجة الأولى السكان المدنيين في هذه البلاد».
وقال إن موسكو وطهران ستدعمان دمشق اقتصادياً للصمود أمام العقوبات الغربية. وتابع أن الجانبين الروسي والإيراني يرحبان أيضاً بتأكيد دمشق استعدادها لتوسيع التعاون مع الأمم المتحدة في تسوية القضايا الإنسانية.
لكنه حمّل الأمم المتحدة جانباً من المسؤولية عن فشل إدخال المساعدات الإنسانية وقال إن على ممثلي الأمم المتحدة العمل من دون تحيّز، ودعاهم إلى عدم الانجرار وراء الاستفزازات، وبذل كل ما بوسعهم من أجل «مواجهة الإرهابيين» في سورية.
وكان لافتاً التركيز على معركة حلب وتحميل المعارضة مسؤولية فشل الهدنات وإدخال المساعدات. واعتبر لافروف أنه في ظل «عدم وجود بوادر لفصل المعارضة المعتدلة عن «النصرة» في حلب، فقد حان الوقت لاعتبارهم (أي المعارضين المعتدلين) أهدافاً شرعية حالهم كحال الإرهابيين».
وزاد أن الوزير الأميركي جون كيري قال في وقت سابق أنه في حال أرادت المعارضة المعتدلة أن تتميز عن الإرهابيين، فإنه يتوجب عليها الخروج من المناطق التي يسيطر عليها تنظيما «داعش» و «جبهة النصرة» والانضمام إلى نظام وقف العمليات العدائية. وتابع لافروف: «مع الأخذ في الاعتبار انعدام وجود بوادر أن المعارضة المعتدلة تنوي الانفصال عن «النصرة» في شرق حلب فقد حان الوقت أن يتجسّد منطق جون كيري عملياً».
وأعلن لافروف أن موسكو لا تجد أي فرق بين الوضع في حلب السورية، والموصل العراقية، لجهة «استخدام المدنيين دروعاً بشرية من جانب الإرهابيين وضرورة خروج المدنيين من المدينة». واعتبر أن عملية تحرير الموصل قد تؤثر في ميزان القوى في الشرق الأوسط في شكل ملموس، مشيراً إلى أن الاجتماع الثلاثي ناقش خطر توجه الإرهابيين من الموصل إلى مناطق أخرى، بما في ذلك سورية و «أكدنا عزمنا مواجهة هذه التداعيات».
وبدا المعلم واضحاً في تحديد ملامح الاتفاقات التي توصلت إليها الأطراف الثلاثة، فهو بعدما أكد استعداد دمشق للعودة إلى طاولة المفاوضات وإجراء حوار سوري – سوري من دون تدخل خارجي، شدد على أن الحكومة السورية مستعدة للعودة إلى نظام الهدنة في حلب، مشترطاً «الحصول على ضمانات من الدول الراعية للإرهابيين بالالتزام بالهدنة وإدخال المساعدات».
وأشار إلى ثلاث نقاط رئيسة شكّلت ركيزة الاتفاقات الروسية – السورية – الإيرانية، أولها تعزيز الجهد المشترك ضد الإرهاب الذي حدده بأنه «تحرير حلب وإعادة توحيد المدينة»، علماً بأن هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها الوزير السوري تعبير «تحرير المدينة» في موسكو وبحضور نظيره الروسي. واعتبر المعلّم، ثانياً، أن معركة الموصل موازية لمعركة «تحرير حلب»، متهماً الأميركيين بأنهم لا يريدون القضاء على «داعش» بل السماح بانتقال مسلحي التنظيم إلى الرقة. وشدد على «أننا سنعمل معاً لمنعهم من تنفيذ ذلك». وأشار في النقطة الثالثة إلى اتفاق بين الأطراف الثلاثة على تعزيز المساعدات الاقتصادية لدمشق و «أن تصل إلى مستوى الدعم السياسي والعسكري نفسه الذي تقدمه كل من موسكو وطهران» إلى الحكومة السورية.
من جهته، أشار ظريف إلى أن الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع موسكو ودمشق «لها أهمية إقليمية»، متحدثاً عن «اتفاق كامل» على أن السوريين هم من يقررون مصيرهم. ولفت إلى اقتراح طهران إعلان وقف شامل لإطلاق النار في سورية، لكنه اتهم «الإرهابيين وحلفائهم بإفشال جهود التهدئة». ودعا الأمم المتحدة إلى التزام الحياد عند توزيع المساعدات الإنسانية على كل الأطراف في سورية.
الحياة