استحدث رائد الأعمال الأميركي الراحل ستيف جوبز -الذي عمل رئيسا لشركة آبل للإلكترونيات- أول جهاز “آي بود” في عام 2001، لينشر مفهوم “ألف أغنية في جيبك”.
وقد دعمت هذه الثورة الملفات من صيغة “إم بي 3” (MB 3) باستخدام بيانات صوتية مضغوطة، في اختراع ترجع أصوله إلى فريق من الباحثين في مدينة إرلنغن بولاية بافاريا الألمانية -وليس في ولاية كاليفورنيا الأميركية كما يظن البعض- وذلك قبل 25 عاما في يوليو/تموز 1995.
هذه التقنية -التي قام الباحثون بتطويرها في منظمة “فراونهوفر سوسايتي” (Fraunhofer Society) للأبحاث- تمكنت من وضع مئات الأغاني على قرص صلب صغير نسبيا.
ويعود المشروع من الناحية النظرية إلى أبعد من ذلك، ففي عام 1982 قام طالب بأبحاث للعثور على طريقة لجعل البيانات الموسيقية صغيرة بقدر يسمح بإرسالها عبر خطوط الهواتف الرقمية أو الشبكة الرقمية للخدمات المتكاملة (آي إس دي إن) (ISDN)، مع الاحتفاظ بمستوى عال من الجودة.
واختار الطالب كارلهاينز براندنبورغ ما بدا تحديا مستحيلا لموضوعه لبحث الدكتوراه الخاص به في قسم “الإلكترونيات التقنية” في إرلنغن، إلا أن المشهد التكنولوجي كان يتغير سريعا، وسرعان ما أمكن التغلب على تحدي الإرسال عبر تقنية الشبكة الرقمية للخدمات المتكاملة بفضل إمكانيات أخرى.
وقرر فريق صغير في إرلنغن تحديد الجيل التالي من الصوت بالنسبة للإذاعة والتلفزيون، في مشروع تم تمويله بشكل رئيسي من جانب مشروع “أوريكا” التابع للاتحاد الأوروبي.
ويقول برنارد غريل -الذي عمل ودرس إلى جانب براندنبورغ- “لقد كان الأمر جديدا تماما فيما يخص هذه المنطقة بأكملها، حيث إننا لم نبنِ أيا من مثل هذه التقنيات من قبل”.
ويضيف “كما أننا لم تكن لدينا خبرة مع تقنية الراديو، لقد كنا نبدأ من الصفر”.
منافسون
لم يكن عدم توفر المعرفة المسبقة هو التحدي الوحيد أمام فريق الباحثين، فقد كان هناك الكثير من المنافسين في دنيا الأعمال أيضا.
ويسترجع غريل الأحداث قائلا “لقد كنا باحثين، وقد استغل منافسونا ذلك جيدا، حيث جعلونا نبدو وكأننا نحلم بأمور يستحيل تنفيذها من الناحية العملية، وأنه ليس هناك شخص عاقل سيهتم بها”.
ولم تتمكن مجموعة خبراء الصور المتحركة “إم بي إي جي” (MBEG) من الاتفاق على إجراء واحد، مما استدعى توحيد 3 طرق مختلفة لتشغيل الصوت والموسيقى عبر الإنترنت ومن خلال الراديو الرقمي.
واستمر براندنبورغ في مراجعة عمله، كما قام مرارا بإدخال تعديلات على عملية الضغط حتى يبدو الصوت طبيعيا كملفات “إم بي 3”.
ولم يؤدِ كل العمل المرهق -الذي قام به براندنبورغ وزملاؤه من الباحثين- إلى تجديد الإذاعة فحسب، بل أحدثت ثورة في صناعة الموسيقى بأكملها.
ووضع باحثو إرلنغن “مبرمجا مرجعيا” على الإنترنت لاستعراض قدرات “إم بي 3″، وقد كانت البرمجة تشغل المقطوعات لمدة دقيقة واحدة فقط من الموسيقى، إلا أن أحد الطلاب تمكن من تجاوز هذا الحد في وقت التشغيل وقام بتحميل النسخة المخترقة من البرنامج على الإنترنت، ونتج عن ذلك موجة “إم بي 3” التي بلغت ذروتها لأول مرة على منصة “نابستر” للخدمات الموسيقية.
ثم تسببت تلك الموجة التي تنتهي بـ”دوت إم بي 3″ في قلب صناعة الموسيقى رأسا على عقب.
وكان من الممكن بين عشية وضحاها مشاركة الموسيقى عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم، حتى وإن كان بث البيانات ينتقل ببطء شديد مقارنة باليوم.
واستغرقت الصناعة بعض الوقت لكي تتعافى من حادثة نقل نابستر الموسيقى بواسطة ملفات “إم بي 3” من دون الحصول على إذن، ولم تسترد عافيتها إلا في عام 2003 من خلال متجر “آي تيونز ميوزيك” (iTunes Music Store) وخدمات التدفق القانونية مثل “سبوتيفاي” (Spotify) في عام 2008.
وعلى الرغم من العمليات المتكررة لإدخال التحسينات على عملية الانضغاط فإن ملفات “إم بي 3” تعرضت وما خلفها من تقنيات لانتقادات مستمرة.
وقال الموسيقي الكندي نيل يونغ إن المعترضين كانوا يقولون إن ملفات “إم بي 3” كانت مجرد نسخة أفقر مما كانت عليه طرق تخزين الموسيقى التقليدية من قبل (الأسطوانات وأشرطة الكاسيت).
نقلا عن الجزيرة