ترى مجلة “إيكونوميست أن “جرأة” روسيا و”ضعف” أمريكا غيرا من مسار الحرب. وأضافت أنه في حرب بشعة مثل سوريا يمكننا استخلاص العديد من الدروس القاتمة، أولها: كلما طال أمدها زادت دمويتها. وثانيها: كلما زاد تورط دول في دوامتها قلت الشهية لوقفها أو على الأقل احتواء القتال.
ولكن الدرس الأكبر والأخطر وهو أن الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة يملأه الجهاديون والميليشيات الشيعية والآن روسيا الجريئة. وتصف المجلة سوريا بأنها مجموعة حروب قبيحة داخل حرب.
فهي حرب طائفية بين السنة والشيعة وكفاح بين العرب السنة أنفسهم ومحاولة كردية لإنشاء وطن وحرب إقليمية بين السعودية وتركيا من جهة وإيران من جهة أخرى ومنافسة جغرافية سياسية بين أمريكا جبانة وروسيا صاعدة.
وتشير إلى قرار الرئيس فلاديمير بوتين الدخول إلى جانب المحور الإيراني- النظام السوري، والذي غير موازين المعركة لصالح قوات الأسد خاصة مدينة حلب المهددة بالحصار. وفي قلب الرقصة الدبلوماسية حول وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية والتسوية السياسية، أصبحت روسيا تفرض الشروط بالطريقة نفسها التي فعلتها أمريكا أثناء الأزمة البوسنية في التسعينات من القرن الماضي.
وتعلق أن سياسة أوباما الراغبة برحيل الأسد من دون تقديم الوسائل للإطاحة به كانت بائسة “وسيبقى الأسد على ما يبدو بعد رحيل السيد أوباما، والحرب لم تنته بل أخذت منعرجاً سيئاً”.
ويرسم تقرير المجلة التطورات الأخيرة حول تورط تركيا أكثر في الغضب السوري وقصفها للأكراد الذين تعتبرهم جماعة “إرهابية”، وهم حلفاء أمريكا في الحرب ضد تنظيم “الدولة” ومالوا في الفترة الأخيرة تجاه النظام وروسيا.
وهناك السعودية التي أرسلت مقاتلات حربية وأعلنت عن مناورات عسكرية شاركت فيها السودان وماليزيا وباكستان ومصر والمغرب. وعرضت الرياض إرسال قوات خاصة إلى سوريا والعودة للخيار الأفغاني في الثمانينيات من القرن الماضي.
وتساءلت: هل ستقدم السعودية صواريخ مضادة للطائرات لاستهداف الطيران الروسي؟ فالصراع في سوريا يحمل مخاطر مواجهة عسكرية بين تركيا وروسيا. لكل هذا، فقد أصبحت سوريا تمثل تهديداً على الغرب، فوصول صواريخ مضادة للطائرات للمعارضة يحمل مخاطر من وقوعها في يد الجهاديين، وفقا للمجلة البريطانية.
وستتداعى دول مثل الأردن ولبنان كما سيؤدي تدفق اللاجئين السوريين لزعزعة استقرار أوروبا وربما انجر الناتو لحرب مع روسيا. ومن هنا تدعو المجلة الغرب لممارسة الضغط على تركيا والسعودية لأن مخاطر المواجهة مع روسيا ووصول تأثير الجهاديين إلى أوروبا عالية.
ويجب على واشنطن إقناع أصدقائها الأتراك والأكراد على التعايش بدلاً من المواجهة. وهذا يعني ضرورة ممارسة أمريكا دوراً أكبر في سوريا “فلو نجح الأسد والروس في تحويل الحرب في سوريا لخيار بين النظام والجهاديين فسيكون هذا بمثابة الكارثة، خاصة وأن غالبية السوريين هم من السنة ولن يتصالحوا أبدا مع الأسد، ولو سُحقت المعارضة الرئيسية فستدفع إما للرحيل إلى أوروبا أو إلى أحضان الجهاديين». وترى أن المأساة التي تولَدت عن ضعف أوباما جعلت من خيار المنطقة الآمنة حلاً محفوفاً بمخاطر المواجهة مع روسيا.
ولكنها لا تستبعد إمكانية إقامة محاور إنسانية غير رسمية. ولعل الحل المهم الآن بالنسبة لأوباما هو التعامل مع سياسته بطريقة جدية من خلال تشكيل قوة عسكرية لهزيمة تنظيم الدولة في شرق سوريا، مما يعني العمل مع الدول السنية.
وستتمكن المعارضة من إنشاء منطقة تتلقى الحماية من الغطاء الأمريكيين وسيكشف هذا عن خداع الروس وزعمهم أنهم يريدون قتال الجهاديين. وعلى الغرب الضغط على الروس من خلال تجديد العقوبات التي فرضها الإتحاد الأوروبي صيف العام الماضي. ويجب أن لا يقتصر رد الغرب على بوتين في سوريا.
منذ التدخل الروسي العام الماضي تغيرت المعادلة على الأرض، وأصبح النظام الذي كان على حافة الانهيار واثقاً من بقائه وقدرته على النجاة.
وعليه، فيجب أن لا نفاجأ إن واصلت روسيا عمليات القصف على الجماعات التي وصفها لافروف بـ”الإرهابية”، وهو مصطلح مائع يضم أي جماعة ترى روسيا أنها تشكل خطرا على النظام. وعليه: “تشعر روسيا أن لديها المبرر لقصف أي جماعة معارضة تختارها”. والسؤال ما الداعي لوقف بوتين حملته العسكرية؟ والجواب واضح من الجهد الذي اعتقد جون كيري تحقيقه مع لافروف وهو الكشف عن مواقف روسيا المثيرة للسخرية.
وكما قال جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس معلقاً على اتفاق ميونيخ: “هذه دبلوماسية في خدمة العدوان العسكري وهي تنجح لأننا نسمح لها بذلك”.
وتشير المجلة إلى أن الحرب توسعت وزادت حدتها في الأيام التي تبعت اتفاق ميونيخ. وتحدثت في هذا عن التقدم الذي حققته وحدات حماية الشعب الكردية والتي سيطرت على تل رفعت التي كانت من أوائل البلدات التي تعلن الثورة ضد الأسد. ودمرت قوات سوريا الديمقراطية ممر الكاستيلو المهم للمعارضة وأدى هذا لتضييق الخناق على “جيب أعزاز” القريب من الحدود التركية.
وترى المجلة أن الأكراد على ما يبدو في عجلة من أمرهم لرسم حدود كيان مستقل ومتواصل يطلقون عليه اسم “روجوفا”.
وتضيف أن الممارسات التي يقوم بها النظام والقصف الجوي العشوائي للمدنيين والبنى التحتية تهدف لتحقيق هدفين الأول: دفع المدنيين للخروج من التجمعات السكنية، بحيث يجد النظام فسحة في استهداف المقاتلين بأقسى أنواع الوحشية.
أما الهدف الثاني فهو رفع ثمن المقاومة، بحيث تضغط المجتمعات السكانية في المستقبل على المقاتلين تجنب المواجهة مع الحكومة والقبول بشروط وقف إطلاق النار التي تفرضها مهما كانت مجحفة للمقاتلين كما حدث في حمص.
وفي الوقت نفسه، يتهم الدبلوماسيون الغربيون روسيا بتحويل اللاجئين لسلاح في الحرب. ولهذا السبب حاولت تركيا مواجهة كل الضغوط عليها وعدم السماح لموجات اللاجئين بالعبور إلى أراضيها. وأقامت بدلاً من ذلك معسكرات مؤقتة لهم. ولا يعرف إن كانت مستعدة للدفاع عنها. ويرى قادة في المعارضة أن تركيا تريد خلق أزمة إنسانية من أجل دفع الغرب للتحرك. مع أن منظوراً كهذا بعيد عن الحدوث.
وتقول المجلة إن المحادثات الدبلوماسية اليائسة تشير إلى أن الرئيس أوباما الذي لم يتبق له سوى أشهر في السلطة لن يدفع لتبني موقف متشدد من سوريا إلا أذا أجبرته الأحداث.
وفي غياب تدخل غربي مباشر يشكك محللون في إمكانية فعل شيء لوقف هزائم المعارضة، رغم أن السعودية تفكر بتزويدها بصواريخ “مانبادس” المضادة للطائرات، إلا أن الولايات المتحدة ترفض خطوة كهذه.
وكل هذا لا يعني سقوط حلب بشكل سريع، فهناك حوالي 40 ألف مقاتل متمرس يمثلون 50 فصيلاً في المدينة.
وتعتقد المجلة أن الغرب الذي يتألم للمصير الذي وصلت إليه الأمور فشل في تغيير المعادلة في وقت نجحت فيه إستراتيجية بوتين. وهدفه الحالي هو استعادة حلب ووضعها في يد النظام والسماح للأكراد بناء منطقة مستقلة ويريد استخدام محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة من أجل تقوية الإنجازات.
وما يقف خلف تفكير بوتين هو افتراض أن الأوروبيين يرغبون في إنهاء الحرب من أجل وقف أزمة اللاجئين وتخلي أوباما عن خططه الإطاحة بنظام الأسد. وتقول إن الجزرة التي يحملها بوتين هي محاربة تنظيم “الدولة” من أجل تقوية تحالف الولايات المتحدة.
وربما قبل بتسوية تشمل تسليم الأسد طالما حل محله شخص ترضى عنه موسكو. وعلى العموم يبدو بوتين والأسد في موقع الرابح، لكن في سوريا، يظل الربح والنصر مصطلحين لا معنى لهما.