اجتاز الشعب الإيراني مع انتفاضته المنتصرة الأخيرة ضد دكتاتورية ولاية الفقيه منعطفا تاريخيا واتخذ خطوة نوعية إلى الأمام.
جاء علي خامنئي إلى مشهد الأحداث يوم السبت 26 نوفمبر2022 لإقناع البسيجيين “الجدد” لضبطهم وحقنهم بأمبولات “السعة والتحمل”، ذلك لأنه كان يعلم أن البسيجيين “القدامى” لم يتحمسوا بالدفاع عن ديكتاتوريته، وفي هذا الخطاب وصف خامنئي قواته بـ “المظلومين” في مواجهة انتفاضة الشعب ووصف المنتفضين بـ “مثيري الشغب” و “المرتزقة” في مسعىٍ منه لجعل انتفاضة الشعب تبدو “غير ذات أهمية”، كما قام خامنئي “بتقبيل” “أيدي البسيج” نيابة عن خميني وطلب منهم ألا يكونوا “متلكئين” و “مهمومين” و “محبطين”!
لقد أظهر هذا الخطاب أولا وقبل كل شيء ما بخامنئي من “مأزق ويأس” في مواجهة انتفاضة الشعب، وعكس من جهة مدى عمق وحشية الدكتاتور، وأثبت من جهة أخرى شرعية انتفاضة الشعب للإطاحة به، وهي الحقيقة التي يتجلى في مركزها أوضاع الدكتاتور المهزوزة وتطور انتفاضة الشعب الإيراني هادرة من أجل الإطاحة بالديكتاتور!
في نهج واقعي وإلى حد ما أعمق من ذي قبل تحدث خامنئي عن سقوط سلطة الدكتاتور في “جسد” النظام وانقسام محتمل في “رأسه”، الأمر الذي ألقى الرعب في خامنئي كما ألقاه في محمد رضا شاه بهلوي في نهاية مرحلة دكتاتوريته، والخوف من عدم عودة الأوضاع إلى الماضي وظهور سارية الإطاحة بالدكتاتورية الدينية التي لا مفر منها!
ولم يكن من فراغ أن يأتي خامنئي مكافحا على مختلف الأصعدة لإظهار قدرة دكتاتوريته، وفي خطوة يائسة ، دعا خامنئي رئيس الوزراء العراق الدمية شياع السوداني وهو مرتزق “كالجبنة البيضاء الخام” لدى دكتاتورية الملالي دعاه إلى إيران للتستر على عجز وتخلخل حكومته من خلال اللقاء به.
التقى شياع السوداني بإبراهيم رئيسي وعلي خامنئي في يوم 29 نوفمبر2022 وأخبرهم بأنه لن يسمح باستخدام الأراضي العراقية لزعزعة أمن إيران؟ وكأن انتفاضة الشعب الإيراني قد قَدِمت إلى إيران من ذلك “الاتجاه” أي من الأراضي؟ وقد نسي خامنئي قول سلفه خميني الذي قال إن عدونا ها هنا متواجدٌ قرب مسامعنا في طهران!
في 25 يونيو 1980 قال خميني في خطاب علني له موجه إلى الحرس: “عدونا ليس في الشرق ولا في الغرب ولا في كردستان، عدونا ها هنا قرب مسامعنا في طهران”، عندما مات خميني اعترف الناجون منه بأن رأس النظام كان مهزوزا مرتعدا من أن العدو الرئيسي المدمر ويقولون: “الآن سيضع المجاهدين بالبلاد في حالة من الفوضى وسيخرجون الناس إلى الشوارع” (جنتي رئيس مجلس الخبراء 3 يونيو 2020).
الآن وبعد أن منح خامنئي ونظامه في الـ 22 من نوفمبر 2022 مهلة عشرة أيام لحكومتهم العميلة في العراق لنزع سلاح الجماعات الكردية الإيرانية وإرسالهم إلى مخيمات اللاجئين، ويعد ذلك في المقام الأول وقبل كل شيء إجراء يائس لصرف أنظار الرأي العام عن التركيز على انتفاضة الشعب الإيراني.
تتسارع الأوضاع الآن نحو الإطاحة بالدكتاتورية الدينية بطريقة لا يمكن لأمثال رئيس وزراء دمية ولا التهديد بالهجوم ولا تكتيكات الماضي أن تعالج آلام الدكتاتورية المستعصية،وبحسب المثل الايراني ” الزمن لا يعود إلى الوراء “.
لقد تغير الوضع بطريقة جعلت حتى المغيثون الغربيون غير المجهولين لا طاقة لهم على الاحتفاظ بدكتاتورية ولاية الفقيه في مواجهة انتفاضة شعبية، ذلك لأن النقاش الذي يدور على الطاولة الآن يدور حول تغيير دكتاتورية الفقيه وبديلها وليس الرهان على حصان خاسر باتت أيام استمراريتها وبقائها معدودة.
في مثل هذه الأيام إذا “مات” خامنئي ، فإن مسار عملية الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الديني الحاكم في إيران ستكتسب تسارعا أكبر وإذا ما حدث “انقسام” في رأس النظام قبل وفاته فإن تسارع تطورات الأحداث سيزداد مرة أخرى.
كلمة أخيرة!
ما يتردد على الألسنة الآن هو أبعد من مجرد الإطاحة، “والتسريع” بإسقاط الدكتاتور، وهذا النظام راحل، والشعب والممثلين الحقيقيين للشعب ومعهم أحمال من التجارب والإنجازات في وضع الاستعداد لدخول “إيران الغد الحرة”.
وعليه فإن ما يجب أن تركز عليه دول العالم وخاصة دول المنطقة وعلى وجه أخص دول الجوار لإيران هو الاستعداد لدخول واستقبال “غد بدون دكتاتورية ولاية الفقيه”، ولأجل ذلك يتطلب السلام والأمن الدولي والإقليمي أن تضغط الولايات المتحدة وأوروبا على زناد الاتفاق النووي والاعتراف الرسمي بالبديل الديمقراطي الوحيد لهذا النظام ألا وهو “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية”.
والآن فإن “ثوار الحرية” وبـ “لغة القوة والسلطة” قد أنهكوا خامنئي وقواته في جميع أنحاء إيران، ويقرعون طبول الانتصار على الدكتاتور، وانكشف للجميع بطلان ادعاء عدم وجود بديل للنظام وأن إيران ستتجزأ أو تصبح كـ سوريا؛ لقد أصبح إسقاط دكتاتورية ولاية الفقيه كاملا قاب قوسين أو أدنى، وأصبح اقتراب إقرار مشروع جمهورية ديمقراطية أقرب رؤية أكثر من أي وقت مضى، وإن الشعب العازم على الإمساك بمصيره وزمام أمره بيده له حق مُسَلمٌ به في أن يكون له حكمٌ وطنيٌ وشعبيٌ ديمقراطي، وستُزاح القوات الميتة من المشهد!
مقال رأي / عبد الرحمن کورکی (مهابادي)*