تعرِّف أدبيات الفكر السياسي الإرهاب بأنه: أعمال العنف المسلحة أو غير المسلحة الخارجة عن قوانين الدول وعن شرعة الإنسانية، والتي تقصد ترويع المدنيين وقتل الأبرياء والسيطرة المطلقة عليهم من أجل تحقيق أوهام أو أفكار أو مساومة تسيطر على عقول الإرهابيين ومعتقداتهم.
إلا أن دول مجلس الأمن أو هيئة الأمم لم تعتمد تعريفًا واضحًا للإرهاب، بل ما تزال تتهرب من اعتماد تعريف تحاسب من خلاله الدول التي تمارس ذلك الإرهاب، وتكتفي بتوجيه التهمة للتنظيمات الخارجة على دولها والتي تأخذ صفة عالمية.
لكننا، نحن السوريين، عندما نقارن بين ما يقوم به حزب الله (وهو تنظيم غير حكومي) وأسياده ملالي إيران، والاحتلال الروسي، والنظام الأسدي، والمليشيات المذهبية الخارجة عن أية دولة وتنظيمات الشبيحة، فإننا نجد تطابقًا كاملًا بين تعريف المفكرين السياسيين وأعمال تلك الدول والمليشيات وما تمارسه من توحش وترويع للأبرياء في مناحي سوريا المختلفة.
واليوم، في مضايا خاصة، على كل من يدعي محاربة الإرهاب أن يرفع الصوت بوجه هذه التنظيمات والدول، ويعمل على إيقاف الإرهاب وفضحه ومقاومته بشتى الوسائل.
لن يستطيع السوريون تجاهل ما يحدث في الأرض السورية كلها، من الجزيرة السورية إلى دير الزور إلى الرقة وريفها وحلب وريفها وحمص وريفها وحماة وريفها ودمشق وغوطتها ومصايفها وما حدث في بانياس وما حولها، لن يتجاهل السوريون ذلك كله، فبيوتهم نُهبت وأطفالهم جاعوا يناوشهم الموت أمامهم، وأسرهم شُردت وبلعها البحر أو أذلتهم الأخوة في المخيمات، أوغص التراب الذي حضن جثامينهم بعيونهم البريئة، بعد القصف والبراميل.
قد يتجاهل العالم مآسيهم لكنهم لن يتجاهلوا ولن ينسوا ولن يسامحوا ما فعل بهم الإرهاب بأنواعه، الذي يسكت عنه العالم عليه أو الذي يدعي محاربته.
ما الصفة التي يمكن أن نصف بها ماتقوم به إيران؟ تستجلب من مناطق بعيدة عن سوريا جهلاء تُجيشهم باسم أساطير عفا الزمن عليها، تدربهم وتسلحهم وترسلهم إلى بلادٍ ما عرفوها يومًا وأبرياء ما تخالطوا بهم، ولا تشاقوا معهم، هم غرباء عن أي بشر أو حجر، ليبثوا الرعب في مناطقهم ويسرقوا بيوتهم وأمنهم وحياتهم، ويُكرهوا من تبقى على الركوع لأوهام الملالي وأحلام امبراطورية فارس، بل إن أبعد وقاحةً من حصارهم لمضايا حتى الموت جوعاٌ، أنهم يتحدثون عن الإرهاب ومقارعته!
ما الذي يريده إرهاب حزب الله وتابعوه من مضايا؟ أو بالأحرى ما الذي يريده نظام الملالي من حصار بلدات مصايف دمشق الوادعة الواحدة تلو الأخرى؟ ألم تضمن لهم روسيا بوتن (وهي الدولة الكبرى) القضاء على الثورة المسلحة؟ ألم تضمن لهم الاحتفاظ بآل الأسد إلى الأبد كما يتمنون؟ ألم تسمح لهم باقتلاع سكان وشعب مرّت آلاف السنين عليه بأرضه تلك واستجلاب غرباء بدلًا عنهم؟
في العمق، خبث الملالي لايسلم رقبته لأحد، ولايضع بيضه كله في سلة واحدة، ما يريدونه هو صنع أرضية بشرية موالية لهم، يستطيعون الاعتماد عليها إن استمر آل الأسد أم ذهبوا، وإن استمر تحالفهم مع روسيا أم أدارت لهم ظهر المجن.
أرضية يستطيعون من خلالها التحكم بلبنان وسوريا، فالحدود الجبلية اللبنانية- السورية هي المكان الاستراتيجي الأكثر أهمية لتحقيق مخططهم ذاك. فمنها يمكن السيطرة العسكرية على دمشق، وعلى طريق دمشق- بيروت ثم السيطرة على الحدود البرية الوحيدة للبنان وعاصمته بيروت. إنها المكان الأهم لضمان استمرار حلم الملالي بالسيطرة التامة على الشرق الأوسط ونشر المذهب، ووسيلتهم الفضلى للهيمنة على عقول تابعيهم.
من أجل ذلك الهدف السياسي الأثير، لا توفر الملالي أي سلوك إرهابي، وما أسهل افتراء المئات من قنوات إعلامها وأجهزتها الأخرى وتدليسها وكذبها عندما تتحدث بوقاحة منقطعة النظير عن الإرهابيين الذين تحاصرهم في مضايا، بل تدفع تلك الأجهزة لإنكار ما يحدث في مضايا وأمثالها ونسبته لسكانها الإرهابيين، وتنتزع إنسانية تابعيها بدفعهم إلى الشماتة بصور الأطفال الذين يموتون جوعًا.
لقد أتاح نجاح التجارب السابقة لحزب الله والحرس الثوري في حمص (الخالدية) والزبداني وحي الوعر الحمصي وغيرها، الاستمرار بسياسة الحصار الحصار والتجويع ومنع الدواء عن المرضى والمصابين حتى الموت، اقتلاع السكان من منازلهم ثم منعهم من العودة حتى لخرائب بيوتهم، ليتابعوا سياسة التبديل الديموغرافي.
فمضايا ذات الأربعين ألف نسمة، تمثل كتلة سكانية كبيرة قد تحول مستقبلًا دون تحقيق مايريد الإيرانيون، أو تعرقل أهدافهم، أو تعادي أوهامهم في الهيمنة على دولة ومجتمع لا علاقة لهم به، ولِمَ لا ينفذون الإرهاب الذي يفعلونه طالما المجتمع الدولي ساكت يتجاهل أفعالهم وهو، في أحسن الأحوال، شاهد متفرج على غرائب إرهاب العصر، وكأنها إحدى أفلام الخيال العلمي الحديث.
أما شباب مضايا ونساؤها ورجالها وشيوخها وأطفالها فقد تشبثوا بأرضهم حتى الموت جوعًا، وتحدّوا البطولة نفسها والإنسانية الغافية، فلهم جميعًا أن يغرقوا حزب الله وملالي إيران وروسيا والمجتمع الدولي ببصاقهم وليس بدموعهم.
دماؤكم أشرف وأطهر من أن يلامسوها، إنهم الإرهابيون بامتياز ويستحقون أكثر من ذلك من كل إنسان ذي ضمير حرٍ في العالم كله.
عنب بلدي