في سوريا الصعود إلى السماء يكون جماعيا، أخوة أحبوا بعضهم فأبوا إلا أن يرتقوا إلى السماء سويّةً، صرخات لأم مكلومة ولا سامع لصوتها المبحوح، مشاهد لم تستطع أحدث التقنيات في التصوير توثيقها فكيف تستطيع تصوير جمود الناس التي تشاهد ذويها وهي تحترق ولا تستطيع فعل شيء.
الغارة الأكثر دموية، الأكثر وحشية، الأكثر إيلاما وأذية، تسميات مختلفة لفعل إجرامي واحد أطلقت على غارة السابع من رمضان 12-6-2016 وفي أول أيام الهدنة الكاذبة يذهب الناس إلى عملهم وتكتظ أسواق إدلب بالحياة أملا وتفاؤلا فيقتل ذلك الأمل بفعل يسمى نقض الهدنة وذلك الفعل الذي لطالما حدث ولطالما ظن الشعب أنه لن يحدث, فتصديق الهدنة في كل مرة كالذي يلاحق سرابا في صحراء جرداء لا حياة فيها.
مجزرة السوق في إدلب لم تكن دموية ووحشية فحسب بل كانت الأكثر تأثيرا في نفوس أهل المدينة، فبعد أن عقدوا الآمال وعدو العدة ليعيشوا أيام البركة والرحمات في رحاب رمضان, امتلأت الأسواق بالناس والمحلات بالضائع فشهر رمضان موسم الخير والبركة، وكعادة الأسواق في الشهر الفضيل تكتظ بالمتسوقين كل اليوم فكل حسب فراغه يذهب للتبضع، فيما داهمت تلك الغارة السوق وقت الذروة في الظهيرة فتقتل فيه الحياة والفرح والطمأنينة على السواء، فيمتلئ السوق بعد لحظات بالجثث المتفحمة والأشلاء ودماء هنا وهناك، وما زاد الأمر سوءا انفجار أسطوانات الغاز كانت قريبة من مكان الغارة ما جعلها تتفجر وتحدث ضرراً أكبر.
خلفت الغارة أكثر من 33 شهيدا وأكثر 70 جريحا و7 جثث مجهولة الهوية وأضرارا مادية كبيرة ومحلات محترقة.. التهمتها النيران بمن فيها.
تكررت مشاهد الموت في المدينة ولكن مشاهد جديدة أضيفت هذه المرة؛ فجثث أطفال احترقت وتفحمت ورفعت عاليا فوق الأيدي فتتهاوى تحتها الإنسانية جمعاء.
وكعادة النظام الذي لايلتزم بعهود ومواثيق ضارباً بها عرض الحائط مستغلاً مواقف الدول الداعمة له وجبروتها ليزداد جبروتاً وتسلطاً، فأخذ يتفنن بأساليب القتل فاستخدامه القنابل العنقودية ليحدث دماراً أكبر هو الدليل على سعيه للإبادة الجماعية.
في كل مرة يحاول أن يظهر المجتمع الدولي بأنه يحارب الإرهاب ليتنصل من جرائمه المتكررة, ولكن أي إرهاب عندما يستهدف سوقاً للمدنيين والضحايا هم أطفال ونساء.
شهدت إدلب يوماً دامياً طويلاً أعقبه ليلاً تفجيران هزا المدينة فأضفيا جوا من الذعر والخوف الذي لا يفارق المدينة.
شهداء اختارهم القدر للإفطار على موائد الرحمن, وشوارع المدينة وأزقتها تبكيهم وعيون لا تنظر إلا إلى السماء راجية من الله الفرج القريب.
المركز الصحفي السوري – أسماء العبد