صرخاتهم لم توقظ ضمائر الإنسانية النائمة، ودموعهم الحائرة لأي ألم ستذرف أبكت من بقي بقلبه شفقة، إنهم أطفال رقدوا في أسرتهم ليلا ليجدوا أنفسهم فجأة بين ركام منازلهم وسط جثث غابت ملامحها لتحل مكانها الدماء والأشلاء.
وماهي إلا لحظات وكانت فرق الدفاع المدني منتشرة في أماكن تنفيذ غارات الطيران الروسي على مدينة ادلب بعد أن أفرغت غضبها وحقدها على منازل المدنيين الآمنين بثماني غارات جوية متتالية ليكون 30 / 5/ 2016 يوما مشؤوما سيبقى راسخا في أذهان أهالي المدينة الأبرياء.
ولعل أكثر المشاهد قساوة أولئك الأطفال الذين قطفت براءتهم بين الركام لتكون حصيلة الشهداء المبدئية 50 شهيدا وأكثر من 250 جريحا جلهم من الأطفال والنساء، فأجسادهم الغضة لم تحتمل نيران غضبهم، فقامت عناصر الدفاع بانتشال جثثهم من تحت الأنقاض وبإخراج من بقي منهم على قيد الحياة، وأي حياة سيعيشونها بعد أن فقدوا أهلهم وإخوتهم وحتى سقف بيتهم الذي كان يؤويهم.
” حسان حميدي “، أب لطفلين من مدينة ادلب ولاجئ في ألمانيا، لم يستوعب هول الصدمة عندما شاهد صور منزله قد تحولت إلى حجارة متناثرة هنا وهناك، فزوجته وطفلاه مازالوا في مدينة ادلب بانتظار لم الشمل، لم يدع أحدا من أقاربه ومعارفه إلا وتواصل معه وتوسل إليه ليطمئن قلبه عليهم إلا أن الموت أخذ زوجته إخلاص وابنه البكر جاد قبل أن يفرح بلقياهم من جديد، ويبقى ابنه الصغير نور الدين وحيدا بلا أب بلا أم وبلا مأوى .
مصيبة قد ألمت به وهو في بلاد اللجوء، هل يحزن لفاجعته بابنه وزوجته أم يحزن لصغيره الذي سرق منه مستقبل بأكمله قبل أن ينضج؟، فيبكي بحرقة قلب ويستذكر كلمات طفله البريئة قبل أن يصبح عصفورا في الجنة ” بابا شتقتلك كتير إيمتى بدنا نجي لعندك، رح جيب معي كل ألعابي وتيابي الجدد عم خبين لألبسن بألمانيا “.
لم يكن جاد يعلم أنه لن يلتقي بوالده وأنه لن يرتدي ثيابه الجديدة لأن الغضب الروسي سيمزقها ويمزق معها أحلام الطفولة وذكريات الأمهات وهموم الرجال المعلقة على جدران منازلهم، قبل أن تدفنها الحرب .
وجوه بائسة وحالة من الدهشة والحزن أصابت من خرج سالما من تحت الأنقاض، لم يصدقوا حتى اللحظة ولم يذكروا ماحل بهم وكأنه كابوس أيقظهم ليفقدوا معه كل شيء، تجوب أم أحمد أرجاء المشفى باحثة عن ولدها لتفجع به مرميا بدمائه على الأرض إلى جانب زوجته فمصابها عظيم لا يحتمله العقل فتقول ” الله ينتقم منكم، الله يا خدلك حقك يا ولدي، الله على كل ظالم “.
وما هي إلا لحظات وتخرج قنوات النظام الإعلامية وتشهر بطولة حليفتها روسيا وتنشر الخبر السار والعاجل حول تمكنها من تحديد نقاط الإرهابيين في مدينة ادلب، وضرب مواقع لجيش الفتح أسفر عنه مقتل العشرات منهم .
مقاطع الفيديو والصور التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي كفيلة بأن تثبت وتبرهن للعالم أن إرهابيي إدلب هم أطفالها هم نساؤها هم أولئك الطيبون الذين لا يملكون أسلحة سوى سقف بيتهم الذي انهار على عتبات الضمائر النائمة.
المركز الصحفي السوري ـ سماح خالد