نعيش حالة من التوتر والخوف المسيطر على كامل تفكيرنا وسلوكنا اليومي، فالخوف من الطائرة ليس له حد (أنا وأنت وهي وهم) جميعا مهددون في أية لحظة لأن نودع هذه المدينة بالحياة بأكملها سواء في السوق أو المدرسة أو الجامعة أو حتى وأنت نائم، فما من مكان آمن في هذه المدينة كما أن ما من وقت يمكن أن تشعر فيه بهذا الأمان (الحلم المفقود) منذ أكثر من 5سنوات من حياة المدينة.
يضاف إلى مسببات بل موجبات التوتر والاضطراب شيء آخر قد يكون يساوي أو يزيد عنها كلها، إنه الخوف من الحصار والتجويع، فالتجويع مقدمة دائمة لسياسة الحصار ثم الاقتحام أو الاستسلام.. وبما أن هذه المدينة ربما بعد أيام تصبح لا سمح الله المنطقة الوحيدة الخارجة عن سيطرة النظام فإن خيار النزوح أو الهرب أو الاستسلام لم يعد على قائمة المواطنين الساكنين في هذه البقعة الجغرافية الموسومة باسم إدلب المحررة، بل هو خيار وحيد.. إنه الاجتياح بأقسى صوره، إنه الهدف النهائي لتفريغ كامل حقد النظام في هذه المدينة لأنه لطالما كانت شوكة في حلقه على مدى 6 سنوات.
اليوم وبحسب المثل القائل “الدنيا دولاب”.. انقلبت الآية وأصبحت إدلب تعيش حالة اضطراب وقلق نفسي يهيمن على كامل تفكير المواطن، فما من خيارات لديه سوى تخزين المؤونة والحصول على الإغاثة فكأن المواطن الإدلبي أقر بأنه خروف يسمّن نفسه ريثما يتم تحديد موعد ذبحه، كل الطرق التي كانت تودي إلى روما مغلقة الآن.. الحدود مع تركيا مغلقة، الجنوب والغرب مناطق تحت سيطرة النظام أما الشمال فبين عشية أو ضحاها.. مسلسل السقوط السريع لأحياء حلب الشرقية يرعب كل كائن حي في إدلب، حتى القطط شتخاف على نفسها من السلخ والسلق؛ لأن ما تعيشه حلب الآن هو المصير المشترك الذي ستعيشه مدينة إدلب.
لا تذهب إلى السوق، طمنا عليك، أخبرنا إن كنت ستتأخر، عندما تضرب الطائرة اتصل بنا مباشرة لنطمئن عليك.. عبارات كانت متواترة على ألسنة الجميع أما الآن فهناك دخيل لغوي جديد هو سنزيد من مخزون المربى، سنشتري كمية أكبر من الخبز ونيبسها لأيام الحصار، سأشتري برغلا مجروشا ومعكرونة طردا أو طردين لأنها لا تحتاج إلى طهي كثيرا..
المواطن الإدلبي صار يفكر إلى متى سيعيش، وليس كيف سيخرج من الحصار أو كما كان سابقا: إذ كان يوما ما ينادي بالحرية وبمطالب سياسية متعددة، الآن ربما حتى الباصات الخضر لم تعد في قائمة خياراته، لأنها إلى أين ستأخذه فهذه المنطقة النهائية.. نهاية المطاف، إذن الفكير محصور بالحصار والاجتياح وطرق الإبادة المحتملة.
يستيقظ المواطن الإدلبي ليجد في مخيلته فكرة واحدة، من المسؤول عن هذا الوضع؟ من المسؤول عن التراجع والتراخي والتقهقر والبكاء على الأطلال؟ هل هو الحال نفسه التي قالت فيه أم أبي عبدالله محمد الصغير الملقب بالجحش، إذ أخذه البكاء يوم خرج من الأندلس قسرا، فقالت له ابك كالنساء على ملك لم تحمه كالرجال…
الجنوب والغوطة مشكلاتهم الداخلية ونزاعهم الدائر كسر شوكتهم وفتح ثغرا أمام قوات النظام حتى صاروا بين سجين ومعتقل أو منفي أو يقبع في مأوى لم يتم تسريب صورة واحدة عنه، فكيف حالهم؟! هذا في رجم الغيب!
أما الجبهة الشمالية فخوف على الملك أو تسابق على مصالح ومناطق نفوذ جعل الشمال مهددا بالمصير الذي لاقاه الجنوب..
ألا صيحة حق تقال، أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)/ هود..
عمار العبد – المركز الصحفي السوري