أصبحت كل المشاورات بخصوص الحل السياسي في سورية بيدِ الخارج، ولم يعد أي معنىً للكلام عن مؤتمر سياسي تعقده المعارضة لبحث الحل السياسي في الداخل، كما تفعل هيئة التنسيق أخيراً. لم يعد له معنىً، لأن كل الوضع السوري أصبح محكوماً للمعادلات الإقليمية والدولية، وبالتالي، أيُّ مؤتمرٍ في الداخل، وفي مناطق النظام، سيكون لصالح الأخير وحلفه الدولي، والمؤتمر المزمع عَقدهُ يُعلنُ بوضوحٍ أنّه بحمايةٍ روسية، وهناك تسريبات تقول إن روسيا ستدعو مائتي شخصية معارضة، وهناك من قال بتنسيق بين أحمد الجربا وحسن عبد العظيم من أجل ذلك؛ إذاً يُشكل موقف الهيئة تراجعاً عن توافقاتها مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ومع هيئة التفاوض العليا المُشكلة في الرياض.
ربما يشكل الاحتلال الروسي لسورية، والذي يَنقل مزيداً من أسطوله البحري أخيراً، ووصول ترامب إلى رئاسة أميركا، وشعور المعارضة بأن حلب ستسقط بيد النظام، أسباباً جديدة للتقدم نحو مقترحات جديدة للحل السياسي. في السياسة، يجب تقديم اقتراحات مستمرة وجديدة للخروج من الاستعصاء، ولكن أين يتم هذا الأمر، ومن يُشرف على العملية بأكملها، ومن تمثل هذه القوى المدعوّة للمؤتمر؟ حين نقرأ ما يتسّرب إلى الإعلام، وأن حميميم هي مركز كل هذه العمليات، ونشاهد القتل والدمار الذي توقعه روسيا بالمدن السورية، وتتوعد بأسوأ مما حدث، فإن العقل يقول إن لا حل سياسياً ستخرج به معارضة “الداخل” إلّا الحل الروسي، إي إعادة إنتاج النظام بذاته بكل أركانه..، وبالتالي، تسقط هيئة التنسيق في شرك الروس. الروس، كما الأميركان، يكذبون ومن دون توقف، فتارةً يقولون إنّهم لا يريدون هذا النظام، وتارةً يقولون إنّهم متمسكون فيه، وبين هذا وذاك، يجب ألا تضع المعارضة قدميها في الشرك.
تُشكل دعوة هيئة التنسيق بالتحديد لمؤتمر دلالة واضحة أن كل القوى التي حاولت روسيا الاعتماد عليها من قبل هامشية وثانوية في المعادلة السورية، وليس لها أي قيمة في الحل والربط في الشأن الداخلي. هيئة التنسيق التي تعي جيداً أنّها أفضل من القوى السابقة، كقدري جميل ومعارضة القاهرة، تعي كذلك أن دورها ضعيفٌ في قرار الحرب أو السلم الخاصين بالفصائل المقاتلة، ما ينطبق أيضاً على الائتلاف الوطني، بل وحتى على هيئة التفاوض؛ وبالتالي، عليها أن تُوسع فهمها قليلاً وتستوعب أن طرحها لمؤتمرٍ جديدٍ، وبالتزامن مع طرحٍ روسي للتفاوض مع قوى عسكرية ومجالس محلية، وسوى ذلك في حميميم، كما تقول التسريبات الإخبارية، سيُنهي أيّة مصداقية تتمتع فيها. هذا هو هدف الروس والنظام تحديداً.
نعم، أعطى الأميركان الروس الدور المركزي في سورية، وما يقوله ترامب بخصوص العلاقة مع روسيا، أو بخصوص الفصائل الإسلامية، والمسلمين عامة، موقف في غاية السلبية، وشكّلَ التغيّر في الموقف التركي مشكلة إضافية للمعارضة وللفصائل، ويأتي، في السياق نفسه، التورّط الكبير للسعودية في اليمن، ولكن ذلك كله لن يُنهي الفصائل المحلية التي تقاتل منذ سنوات، وكذلك لن توافق فصائل كثيرة على مؤتمرٍ مُعدّ لحلٍّ سوري، وفقاً لرؤية الروس. نقصد أن استغلال روسيا الشروط الجديدة الإقليمية والعالمية لن يسمح بحلٍّ سياسيٍّ روسي. أضيف أنه من المستحيل أن يتحقق أي حلِّ سياسي من دون رعاية تركية وسعودية وأميركية كذلك، فحجم التداخلات الكبير في الساحة السورية يُلزم روسيا بالإصغاء جيداً لهذه التدخلات؛ إذاً لا قيمة للكلام عن مؤتمر داخلي، وربما سيفيد بإلحاق “مجموعات” جديدة لصالح الروس، وطبعاً سيفشل المؤتمر بالضرورة. وبخصوص دعوة فصائل ومجالس محلية إلى حميميم، فإن السؤال ما قيمة هذه الفصائل فعلياً؟ أليست الفصائل السلفية والجهادية والإسلامية عامة هي المسيطرة؟ وفي حال ذهبت شخصياتٌ إلى ذلك المطار، فإنها لن تكون ممثلةً للفصائل في الميدان، وستكون من الشخصيات المعزولة عن الواقع “المعارض” للنظام.
لهيئة التنسيق الوطنية ولسواها نقول: الوضع السوري في حالة تأزمٍ شديدٍ؛ فهناك الجهادية والسلفية والطائفية والحرب والدمار والقتل والتهجير وهذا غيضٌ من فيضٍ، لكن هذا الغيض بالتحديد يقول باستحالة أيّ حلٍّ سياسي يتجاهل القرارات الدولية وبيانات مجلس الأمن وسواها بخصوص الحل السياسي، وكذلك من الاستحالة بمكان تمرير حل سياسي من دون “طبخة” إقليمية ودولية، تأخذ بمصالح هذه الدول مستقبلاً. إذاً ليست هذه الدعوات جديدةٍ، وإن كانت هناك معطيات جديدة أشرت إليها أعلاه، وبالتالي، وطالما أن المعارضة كُلّها مع الحل السياسي، وكُلّها مُجمعةً على أن لا حل عسكرياً ممكناً ضد النظام، وبالتالي، يفترض أن تكون المقترحات الجديدة للحل السياسي أولاً خارج سورية، لكيلا ترتهن للنظام وحلفه، وثانياً ضمن ما ذكرناه من قرارات وبيانات دولية، وثالثاً محصلة التوافق الإقليمي والدولي.
نعم، لم يعد للسوريين (نظاماً ومعارضة) دورٌ مؤثرٌ في تقرير مستقبل بلادهم، وسينفذون ما يُرسم لهم، إن رُسم لهم حل سياسي قريب.. لم يعد ذلك ممكناً، طالما لا يتم تبني مشروع وطني للحل؛ وهذا ممتنع كلية وفقاً لسياساتِ هذه الأطراف. ونضيف أيضاً إن أي دور مختلف سيكون من خارج الأطراف السابقة، وهذا بدوره، أي القوى من خارج الطرفين المذكورين سابقاً، لم يستطع، طوال السنوات السابقة، أن يشكل قطباً جديداً قادراً على كسر هيمنة الأطراف السابقة.
إذاً سيكون الحل غير سوري، وستنفذه أطراف سورية مُلحقة بالخارج، والأنكى أن ذلك كله غير مطروح على مائدة السياسة قريباً.
العربي الجديد – عماد ديوب