في ظل عجز النظام الأسدي عن تحقيق انتصار عسكري، ورفضه الحل السياسي، ماذا يبقى من خيارٍ غير أن يرفض العلويون مواصلة السير وراءه، أو الغرق اليومي في موتٍ مجانيٍّ يواجههم في كل وطنهم، ليس له اليوم، ولن يكون له غداً، أي عائد شخصي أو وطني لهم، إلا إذا كانوا يستمرئون الموت، من أجل أحمقٍ تضعهم حساباته الإجرامية خارج مجتمعهم، وتسلبهم الحق في العيش والأمان، وتحملهم السلاح الذي يقتلون به أنفسهم ومواطنيهم، فلا هو يحميهم أو يحول دون تعرّضهم لموتٍ شامل، طاول خصوصاً الفئة المنتجة للحياة منهم، أعمارها بين الخامسة عشرة والأربعين، والتي يعني استمرار انصياعها للأسدية هلاك من بقي منها في اقتتال أخوي، لا يفيد أحدٌ منه غير أسرةٍ من القتلة والفاسدين، تتربع على أهرام من جماجم السوريين، بمن فيهم العلويون الذين كان الأسد الأب قد زجّ عشرات الآلاف منهم في السجون والمعتقلات، وسلخ جلودهم، كما سلخ جلود غيرهم من الشعب، قبل أن يورّث سلطته المطلقة والاستبدادية إلى غرٍّ ليس أهلا للحكم، أوهمه جهله أن السلطة تعني العنف، وأن من هم ضدها يستحقّون القتل، ومن معها خليقون بالاستعباد، وأنه لا يجوز أن تترك للسوريات والسوريين غير خيار من اثنين: الرضوخ الذليل أو الإبادة والحرق. ولأن الشعب رفض الرضوخ وثار، ردّ الأسد عليه بالإبادة والحرق، بأيدي العلويين أيضاً، بعد أن أوهمهم أن الثورة تستهدفهم أكثر مما تستهدفه، وتطلب حياتهم أكثر من حياته، وإنه إنما يضحي من أجلهم ببقائه في السلطة، وقيادتهم في معركةٍ، يزعم أنها للدفاع عنهم، مع أنها أدّت إلى قتل خيرة أبنائهم وبناتهم.
بعد مرور خمسة أعوام مرعبة، يتبين أن عائد “قيادته” كان إبادة أجيال من العلويين، واستحالة انتصاره على شعبٍ ليس لهم مصلحة في هزيمته، لأنهم منه، ولأن حريته ستكون لهم أيضاً. وأخيراً، لأن ثورته تعني أن لا حياة مع العبودية، ولا بديل للحرية.
لنفترض، الآن، أن السوريين، جميعهم، تسلحوا بأفتك الأسلحة، وشنوا هجوماً كاسحاً على مناطقكم وأماكن عيشكم. ولنفترض أنكم كنتم عزّلاً، ولا يدافع عنكم أحد، هل كان عدد قتلاكم سيزيد على عدد من فقدتموهم في حرب الأسد ضد شعبكم، تقول إحصاءات مؤكّدة إن عددهم يقارب المائة ألف، أم أن مهاجميكم كانوا سيجدون أنفسهم، خلال أيام، عرضةً لموجات إدانة ومقاومة داخلية ودولية، ستجبرهم على الرجوع عن غيّهم ووقف إجرامهم؟ أخبرني أصدقاء علويون، يصوّرون أوراق النعي التي تغطي أرياف الساحل ومدنه ومنطقة حمص، إنهم صوّروا، إلى ما قبل عام ونصف العام، نيفاً وثمانين ألف ورقة، مع أنهم لم يبدأوا عملهم إلا بعد أشهر من الثورة. سؤالي إلى العقلاء وأصحاب الرأي والنفوذ منكم: هل كان عدد قتلاكم سيصل إلى مائة ألف، لو أنكم رفضتم السير وراء الأحمق الذي قتلكم في حربه ضد مواطنيكم، لتوهّمه أن السلطة حق حصري وشخصي له ولعائلته، وأنه يستطيع الاحتفاظ بها إلى الأبد، فلا ضير عليه إن هو قتلكم وقتل إخوتكم السوريين، كي يحافظ عليها؟
بعجزه عن الحسم العسكري، ورفضه الحل السياسي، حكم الأسد عليكم بالإبادة التي تعرفون، أكثر من أي أحدٍ آخر، الشوط المخيف الذي قطعته، وتعلمون أن وقفها رهنٌ بصحوةٍ وطنيةٍ تعمّكم كسوريين، تحول بين المجرم والتضحية بمن بقي حياً من أولادكم، وتمنعه من وضعكم أمام أحد خيارين: أن تظلوا عبيداً له، ينتظرون مصيرهم المحتوم دفاعاً عن باطله، أو تخرجوا من معادلةٍ كارثيةٍ حشركم فيها، حدّاها إرسالكم إلى القبور، وبقاؤه المستحيل في السلطة.
ثمّة إشاراتٌ تؤكد تخلّق بيئة علوية ترفض المعادلة الكارثية، وترى أن الأسد صار يُعرف بالقتل وحده، وأن الولاء له يُفقد العلويين الحق في الدفاع عما بقي لهم ومنهم كسوريين. لذلك، لا يجوز أن يواصلوا الموت من أجله، بعد أن أقنعتهم هزيمة حلب بعبثية الحل العسكري، وبحتمية تعاونهم لإنجاز حل سياسي وطني متوازن، ركيزته حق السوريين، وحقهم هم كسوريين، في المواطنة المتساوية والحياة، بعد أعوامٍ خمسة أثبتت استحالة أي خيار سواه، واستحالته هو من دون جهد وطني شامل، يتحد في إطاره جميع السوريين.
أيها العلويون، ألم يحن الوقت لتخليكم عن مجرمٍ ضحّى بكم وبشعبكم، ليبقى في كرسيٍّ لا يستحقه، ولن ينجح في الاحتفاظ به. شعبكم ينتظر دوركم في معركة الحرية والسلام، فلا تفوّتوا فرصة النجاة عليكم وعليه.
ميشيل كيلو_العربي الجديد