ثانياً: أن الأونروا باعتبارها منظمة دولية نشأت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة التي هي بمثابة أداة سياسية فرضتها القوى العالمية المنتصرة في الحرب العالمية المنتهية في عام 1945، ولا يمكن لها بأي حال من الأحوال مهما بدت مهمتها إنسانية أن تعمل عكس مصالح الأطراف التي كانت سبباً في وجودها.
ثالثاً: أن التراجع في حجم ونوعية الخدمات التي تقدمها الأونروا للاجئين هو في أحد صوره ناتج عن تقدير الأطراف المشغلة للأونروا لواقع تمسك الطرف العربي بعودة اللاجئين الفلسطينيين الذي بدى باهتاً بعد توقيع الأطراف العربية على اتفاقيات سلام مع (إسرائيل) كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، فبعد توقيع اتفاقية أوسلو بدا الفلسطينيون كمن يقدم روايتين لحق العودة؛ الأولى مع حق العودة ومستعدة لتقديم الغالي والنفيس لتحصيل هذا الحق، والثانية تقبل بالتفاوض على حق العودة وتقبل بالعصابة المحتلة لأرض اللاجئين جارة.
وبالرجوع إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “الأونروا” نجد أنها تأسست بقرار رقم (302) في 8/12/1949؛ الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي جاء في أعقاب صدور القرار 194 بتاريخ 11/12/1948، والذي رفضته (إسرائيل) تحت ذريعة أن الفلسطينيين يريدون العودة لتدميرها بإذن الله، فجاء قرار إنشاء الأونروا (لتلافي أحوال المجاعة والبؤس بين اللاجئين وبما يدعم السلام والاستقرار) كما ورد في الفقرة (5) من القرار (302)، والحديث هنا عن دعم السلام والاستقرار يعني تكريس الحالة الراهنة في ذلك الوقت، وذلك بعدم التأثير على نتائج الحرب فالأمم المتحدة لن تساهم بأي شكل من الأشكال في حصول العرب والفلسطينيين على ما خسروه في الحرب، فكانت مهمة الأونروا وفق القرار (302) بحسب الفقرة (5) أيضاً، (… واتخاذ إجراءات فعّالة في أقرب وقت بغية إنهاء المساعدة الدولية للإغاثة)، وهذه إشارة واضحة إلى أن الغرض من إنشاء الأونروا يتمثل في تكريس الوضع الذي انتهت إليه الأحداث في فلسطين عام 1948م بإقامة الكيان الصهيوني والطرد القسري للاجئين الفلسطينيين من مدنهم وقراهم.
من هنا نلمس أن مسألة تقليص خدمات الأونروا قد دست في القرار منذ نشأت الأونروا، وهي تأتي ضمن سياسة اتخاذ الإجراءات الفعالة بغية إنهاء المساعدات الدولية للإغاثة، وبالتالي يمكن النظر لسياسة التقليصات على أنها سياسة مبرمجة وتتسارع مع امتناع الدول الممولة للأونروا عن الوفاء بالتزاماتها الطوعية كما نصت عليه الفقرة (13) من القرار بأن الأموال المدفوعة هي أموال طوعية، وهذا يجعل الأونروا متأثرة بإملاءات ومصالح الدول الممولة لها.
وبالنظر لتاريخ نشأة الكيان الصهيوني المرتبطة بالاستعمار البريطاني لفلسطين والمنطقة العربية، والدور الوظيفي للكيان في خدمة القوى الاستعمارية التي انتهى بها المطاف بالانتصار في الحرب والتي قامت بتشكيل الأمم المتحدة في أعقاب انهيار عصبة الأمم؛ ندرك طبيعة الضغوط التي تمارس على الأونروا وعلى الأطراف ذات العلاقة بها ليتماهى دورها قدر الإمكان مع رؤية الكيان الصهيوني الرامية للتخلص من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ولتصدر الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (393) بتاريخ 2/12/1950 ولتضيف مهمة جديدة إلى (أونروا) وهي “إعادة دمج اللاجئين في مناطق اللجوء من خلال مشروعات اقتصادية”، حيث نصت الفقرة الـ(4) منه على: “إعادة دمج اللاجئين في حياة الشرق الأدنى الاقتصادية – سواء أكان ذلك بإعادتهم إلى ديارهم أم بإعادة توطينهم – أمر ضروري؛ تمهيداً للوقت الذي تكون فيه المساعدة الدولية غير متوافرة، ولتحقيق أحوال السلام والاستقرار في المنطقة”. حيث تضمنت الفقرة كما نرى بدائل العودة بإعادة التوطين وهذا يتساوق إلى حد بعيد مع التوجهات الصهيونية التي كان تروجها (إسرائيل) في الفترة 1949-1950 لـ (دفع تعويضات للاجئين الفلسطينيين بحيث لا يكون دفع التعويض فردياً، بل على أساس إجمالي، وذلك بدفع تعويض لتوطين اللاجئين في الدول المضيفة، على أن يتوفر المبلغ من المجتمع الدولي وبإشراف منظمة دولية) وبالطبع حسب القرار (3933) هذه المنظمة هي الأونروا التي كلفها القرار أنف الذكر بـتأسيس “صندوق إعادة الدمج” الذي يستخدم “بغية إعادة التوطين الدائم للاجئين، ولصرف الإغاثة عنهم”، وقد لوحظ أن تكلفة مشاريع الإغاثة كانت 20 مليون دولار، بينما تكلفة مشاريع الدمج بلغت آنذاك 30 مليون دولار، وقد أطلقت الفقرة (77) يد الوكالة في تحويل أموال الإغاثة إلى مشاريع إعادة الدمج بقدر ما تسمح به الظروف.
وأكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (513) بتاريخ 26/1/1952م على برامج الإغاثة وإعادة الدمج للوكالة، إذ ورد فيه عبارة: “الإعادة إلى الديار أو بإعادة الاستيطان”، وقرر 50 مليون دولار لنفقات الإغاثة، و200 مليون دولار لإعادة الدمج (وقد سعت الأونروا بالتنسيق مع الحكومة المصرية لتنفيذ مشروع التوطين في شمال غرب سيناء بهذه الأموال)، وهذا يؤكد أن المهمة الأكبر للأونروا هي توطين اللاجئين.
أما الفقرة (4) من القرار فقد أكدت على الأونروا بـ”بحث تدابير تولِّي الحكومات (المضيفة للاجئين) مشاريع إعادة الدمج في أقرب وقت ممكن”، و”تحويل الإغاثة أيضاً إلى تلك الحكومات في أقرب وقت ممكن”، كما أشارت الفقرة (5) من القرار، ولتأكيد أن هدف الدمج أهم من هدف الإغاثة، حيث نصت الفقرة الـ(6) على: “تخفيض نفقات الإغاثة بنسبة ملائمة لنفقات إعادة الدمج”.
ساهم تمسك الفلسطينيين بحقهم في العودة إلى الديار وممارسة المقاومة المسلحة، سواء من الأراضي الأردنية في سبعينيات القرن الماضي، أو من الأراضي اللبنانية في ثمانينيات القرن الماضي، أو داخل الأرض المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة في تعطيل مشاريع الدمج والتوطين في أماكن اللجوء، وبقي تركيز الأونروا على تقديم الإغاثة بهدف دعم السلام والاستقرار في المنطقة، وبشكل يعطل تنفيذ قرار الجمعية العامة رقم (194) بتاريخ 11/12/1948م القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي أخرجوا منها عام 1948م.
بقي هدف شطب الأونروا وإلغائها هدفاً (إسرائيلياً) يطل برأسه من وقت لآخر حتى جاءت اتفاقية أوسلو 1993م، فكانت محاولة فاشلة لنقل مهمة الأونروا للسلطة الفلسطينية، وذلك عبر تحويل أموال الدعم الدولي للسلطة، وبالتالي يتحقق الحلم الصهيوني بنفض المجتمع الدولي يده من قضية اللاجئين وينتهي المطاف باللاجئين بتوطينهم في أماكن سكناهم، وسرعان ما تداعت الأحداث مرة أخرى في قطاع غزة والضفة الغربية لتنشئ الأونروا صندوق الطوارئ الذي تم توظيفه لدعم السلام والاستقرار في مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليعوض النقص في ميزانية الأونروا التي أصيبت بالتأكل بمرور الوقت، وليظهر قصور الأونروا أكثر وضوحاً في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية، والقصور تجاه اللاجئين في المخيمات سواء على الساحة الأردنية أو الساحة السورية.
جدير بالذكر أن الأونروا تمارس نوعا من الضغوط على اللاجئين الفلسطينيين خاصة في قطاع غزة وذلك في سياق استجابة المنظمة الدولية للضغوط الصهيونية، بشكل يمس جوهر قيم المواطنة وحقوق الإنسان والتي كفلتها المواثيق والشرائع الدولية:
الحق في الممارسة السياسية: تحرم الأونروا بشكل مقصود اللاجئ الفلسطيني الذي يتعرض للقهر والتمييز من قوى الاحتلال الصهيوني من حقة في ممارسة العمل السياسي إذا كان مشتغلا في الأونروا، وبالرجوع إلى القرار (302) فإن تشغيل اللاجئين هو أحد مهام الأونروا وهي مهمة مقرونه بالمهمة الإغاثية، وهي أحد أشكال الانتفاع من خدمات الأونروا، والمستفيد من فرصة التشغيل من اللاجئين الفلسطينيين لا يصح النظر إليه على أنه موظف أممي تنطبق عليه الشروط الوظيفية التي تنطبق على الموظفين الأمميين، ويفترض من الأونروا أن يكون لها إسهام في التنمية السياسية لجموع اللاجئين في المخيمات بما يؤهلهم من الدفاع عن حقوقهم في المحافل الدولية، لا أن تعاقبهم علي ممارستهم السياسية.
السياسة التعليمية: لوحظ في السنوات الأخيرة تدخل الأونروا بإجراء تعديلات في المناهج الدراسية بشكل يتعارض مع سياسة وزارة التربية والتعليم الفلسطينية وهذا شكل من أشكال الاستجابة للسياسة الصهيونية بإدخال مواد وموضوعات دراسية بدون الرجوع للجهات الرسمية في مناطق عمليات الأونروا، خصوصاً داخل الأراضي الفلسطينية، وبشكل يثير الشكوك حول نوايا الأونروا، ويضع علامة استفهام حول الدوافع الحقيقية وراء هذه التغييرات.
التعويض عن الأضرار: جدير بالذكر أن أموال التعويضات التي تقدمها الأونروا للمتضررين من الاعتداءات الصهيونية علي المناطق الفلسطينية تدفع من صندوق الطوارئ أو تكون مخصصة لدفع التعويضات للمستحقين، ومن غير المقبول أن تقوم الأونروا بالتمييز بين متضرر ومتضرر فتعطي وتحرم على أساس أجندة صهيونية، حيث تحرم من كان بيته هدفا لقوات الاحتلال من التعويض، وهذا أيضا أمر مرفوض ويشكل استجابة واضحة من طرف الأونروا للضغوط الصهيونية.
في الختام لا بد من النظر إلى الأونروا على أن وجودها تعبير عن استمرار مسؤولية المجتمع الدولي عن وجود قضية اللاجئين الفلسطينيين، ويجب استمرار التواصل معها والضغط عليها بشكل سلمي قدر الإمكان بما يخدم أهداف اللاجئين الفلسطينيين ويحقق تطلعاتهم بالحياة الكريمة والعودة إلى فلسطين.
العربي الجديد