تصنف بسمة قضماني، مديرة مبادرة الإصلاح العربي، والعضو المؤسس للمجلس الوطني السوري، أوروبا ضمن قائمة الأطراف الأكثر تضررا من الفشل في سوريا، مشيرة إلى أن تواصل الصراع، منذ أكثر من أربع سنوات كشف عن تضارب بين المصالح الأميركية والأوروبية في سوريا، وطرح تداعيات جديدة للأزمة السورية تفرض تصورات أوروبية حاسمة في هذه المسألة بعد أن أصبح استقرارها مرتبطا بشكل كبير بما يجري في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط عموما.
وقرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تكون سوريا جزءا من المقربين من روسيا في الخارج، وليست أوكرانيا فحسب، على اعتبار أنها إحدى المناطق التي تعتبر مقرا حيويا للمصالح القومية لبلاده.
كما توقع وقوف القوى الغربية عاجزة حيال التطورات التي يشهدها العالم. وسواء تحركت الترسانة العسكرية الروسية باتجاه سوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية أو لدعم نظام الأسد، فقد نصب بوتين نفسه لاعبا رئيسيا في حلبة الصراع، لكنه، في نفس الوقت وضع نفسه في موقف يسمح له بإعطاء الأوامر لإطلاق النار، دون أن يملك استراتيجية لإنهاء الصراع. ويدفعه إلى ذلك اعتقاده بأنه يملك القدرة على ضمان نفوذ روسيا في هذا البلد المحوري، في حين لا تملك أوروبا أي استراتيجية لمواجهة الصراع الدائر.
وعلى مدى الأعوام الأربعـة الماضيـة، ظلّ الأوروبيون ينتظرون الرد الأميـركي الحاسم على ما يجري في سوريا، وعبّر بعضهم عن استعـداده التام للتحـرك ضـد الأسـد بعـد أن استخـدم الأسلحـة الكيميـائية ضـد المدنيين. وبدا الفرنسيون أكثر التزاما بالخط الأحمر الذي وضعه الرئيس أوباما (استعمال نظام الأسد للسلاح الكيميائي)، لكن وجد كل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف وسيلة مناسبة للخروج باتفاق بشأن الترسانة الكيميائية للأسد، وقـد رحّب الجميع بـذلك الاتفـاق، الـذي تم التوصل إليه في سبتمبر 2013، وزعم أنه “يتعين القضاء على منشآت تطوير وصنع أسلحة كيميائية ونظم إطلاق الأسلحة”.
وبذلك تمكّن نظام الأسد من المحافظة على قدرته القتالية، بينما اعتقدت الدول الأوروبية أن بإمكانها التعامل مع هذا الوضع، خاصة وأن تنظيم داعش كان يشكل مصدر قلق طفيف نظرا لكونه يضم عددا قليلا من المقاتلين الذين يمكن التعامل معهم، ولم يكن قد استقوى بالشكل الذي عليه الآن. لكن هذا التقاعس كانت له عواقبه، تشعر بها الآن جميع الدول الأوروبية.
ولا شك أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ارتكب خطأ تاريخيا عبر التقليل من شأن الصراع السوري.
والانسحاب الأميركي من سوريا، حتى لو أثر على الولايات المتحدة فإن تأثيره سيطال فترة رئاسة أوباما، وقد تتغيّر الأوضاع مع قدوم رئيس جديد للبيت الأبيض.
والأزمة الأكبر، وفق بسمة قضماني، هي أزمة أوروبا حيث التعامل مع اللاجئين غير المنضبطين على حدودها، والمخاطر الأمنية المتزايدة من الغربيين المتطـرفين الذين يقاتلون في صفوف داعش وهم أبعد ما يكونون عن الولايـات المتحـدة مقارنة بأوروبا.
وتصف مديرة مبادرة الإصلاح العربي سوريا بأنها باتت أشبه بسرطان ينخر مصداقية أوروبا ويهدد أمنها. ولا شك في أن إيجاد حل للصراع أمر معقد للغاية، ولا يمكن أن يتم اتخاذ قرار متسرع بالذهاب إلى الحرب من أجل تغيير النظام كما حدث في ليبيا. لكن الاستمرار في تصوير المعضلة المانوية بين التسرع في الذهاب إلى الحرب دون خطة تمكن من تحقيق الاستقرار، والتجاهل المنهجي لأسباب صراع مستمر منذ خمسة أعوام، وتنجر عنه عواقب وخيمة، هو أمر يصعب فهمه.
يتعين على الأوروبيين الاعتراف بأنهم لا يشاركون الولايات المتحدة نفس المصالح. وأزمة اللاجئين هي البرهان الأكثر إثارة للدهشة على أن أمن أوروبا هو جزء لا يتجزأ من أمن منطقة الشرق الأوسط، وأن القادة الأوروبيين لا يستطيعون العودة إلى الوراء لحسم هذا الصراع.
وسوريا ليست أقل شأنا من البلقان بالنسبة إلى المصلحة الحيوية الأوروبية، ويحق للأوروبيين الضغط على الولايات المتحدة في قضية تهدد استقرارهم الداخلي. ولن تكون التصريحات العلنية كافية، بل إنهم، حسب تحليل بسمة قضماني، في حاجة إلى اقتراح أوروبي واضح يتميز بالجرأة والواقعية.
وفي ظل هذا الوضع، يتعين على أوروبا أن تشير بوضوح إلى مسؤولية الأسد في أزمة اللاجئين وأزمة الدولة بشكل لا لبس فيه، وأنه لا يمكن أن يكون طرفا في عملية الانتقال السياسي في البلاد. في خضم حملة عسكرية شرسة تشنها كل من القوات الروسية والإيرانية وقوات الأسد، سوف يؤدي استخدام اللغة الناعمة التي تقترح تسوية دون احتمال التعامل بالمثل إلى إضعاف موقف الحكومات الغربية، كما أن ذلك سوف يؤدي إلى الزيادة من تعنت النظام وترسيخ أقدامه، وزيادة اليأس في صفوف الجماعات المسلحة المعتدلة، فضلا عن الملايين من السوريين العاديين الذين يريدون أن يروا عودة شيء من الروح إلى بلادهم. ولن يسفر ضعف القوى الغربية سوى عن إطالة أمد الصراع.
تبدو الحاجة ملحة لحماية المدنيين اليوم أكثر من أي وقت مضى منذ اندلاع الصراع قبل حوالي أربع أعوام ونصف العام.
وفي الوقت الذي أقامت فيه تركيا منطقة حظر للطيران منذ أكثر من عامين على شريط ضيق على طول حدودها، إلا أن القوات الجوية الروسية قامت الآن بالقضاء على هذا الشريط في تحد صارخ لهذه المنطقة العازلة لحماية المصالح التركية وعشرات الآلاف من العائلات السورية.
يمكن أن تكون حماية السوريين من القصف الجوي العشوائي للنظام تغييرا مهما في قواعد اللعبة سيجعل الحل السياسي ممكنا.
ويتفق خبراء عسكريون على أن منطقة لحظر القصف يمكن أن يتم فرضها من السفن في البحر أو من الأراضي التركية، ولا تتطلب حملة جوية واسعة النطاق لتدمير نظام الدفاع الجوي التابع للأسد.
ومن شأن منطقة حظر القصف أن تكون الخطوة الأولى التي يمكن أن تبدأ في معالجة كل الأسباب الجذرية والآثار المترتبة على الأزمة.
وسوف يؤدي إنقاذ الأرواح البشرية وإبطاء نزوح اللاجئين، والسماح للهياكل المدنية المعتدلة بالتطور، إلى كسر دائرة التطرف.
الحل السياسي
خلال مناقشة الوضع السوري مع بوتين، ينبغي على أوروبا والولايات المتحدة أن توضحا أن النظام السوري سيدفع الثمن العسكري للدعم الروسي المباشر إلى غاية دخول روسيا والنظام في مفاوضات حقيقية حول المرحلة الانتقالية.
وقد تمنح إقامة منطقة لحظر القصف حتى الآن فرصة لم تكن متوقعة لإجراء ترتيبات عسكرية وأمنية على أرض الواقع والتي من شأنها أن تسبق المفاوضات السياسية. تدرك المعارضة السورية، سواء السياسية أو العسكرية بشدة الخطر المتزايد الذي يمثله داعش.
وتخلص بسمة قضماني إلى أنه، وفي ظل ظروف معينة تلتزم فيها القوى الغربية بجدية بحماية المدنيين وإنهاء اللعبة من دون الأسد، يمكن إقناع المعارضة المسلحة بالموافقة على تجميد المعارك مع قوات النظام من أجل توجيه السلاح ضد داعش كأولوية قصوى، كما أن الجيش الموالي للنظام ينبغي عليه فعل الشيء نفسه في المناطق التي يحكم سيطرته عليها.
ومن شأن تقاسم الأعباء بشكـل فعلي أن يخلق القوة اللازمة على الأرض، والتي يمكن أن تـكـون قـادرة على إلحـاق الهزيمـة بـداعش.
ولا أحد في سوريا يرغب في استبدال داعش بجبهة النصرة، وتدرك قوات المعارضة المعتدلة أن السبيل الوحيد لخلق قدرات محلية بإمكانها تحقيق الاستقرار في البلاد، هو استمالة الجيش السوري الحر والوحدات المتبقية من الوطنيين “الموالين” للنظام للعمل في نفس الاتجاه.
وسوف يمهد ذلك الطريق لإعادة بناء الجيش والأمن السوريين الوطنيين، شريطة أن تقع تسوية سياسية.
صحيفة العرب