القدس العربي_إبراهيم درويش
تحت عنوان “انتصار: الأسد ربح وحسم المعركة الشرسة”، نشرت صحيفة “أوبزيرفر” تقريرا أعده حسن حسن قيم فيه ميزان القوة الجديد في سوريا، حيث يقوم النظام الوحشي بإعادة علاقاته مع الجوار العربي. وبدأ فيه حسن بالحديث عن نهاية عام 2018 بانتصار لرئيس النظام السوري بشار الأسد وإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا، وفتح الإمارات العربية سفارتها في دمشق وتبعتها البحرين، بالإضافة إلى أخرى ستعيد فتح سفاراتها في القريب بمن فيها الكويت. وتستعد الجامعة العربية لإعادة مقعد سوريا بعد سبعة سنوات من التعليق. ويرى الكاتب أن هذه التطورات حدثت بعد خمسة أشهر من تحقيق النظام انتصاره الأكبر عندما استعاد درعا وهزم المعارضة غير الجهادية في المنطقة التي بدأت فيها الانتفاضة السورية عام 2011. وبهذا أزاح التهديد السياسي والعسكري عن العاصمة دمشق. ولو اخذنا التطورات في الستة أشهر الأخيرة مجتمعة، فهي تعلم انتصارا حاسما للأسد. فالقوى التي دعمت المعارضة السعودية لم تتخل عن محاولات الإطاحة به فقط بل وتتسابق على التعاون معه واستئناف العلاقات-سرا أو علانية.
أوبزيرفر: قرار ترامب سحب القوات من سوريا غير قواعد اللعبة.
وفي الداخل قضى الأسد على كل القوى المعارضة له، ولن تجد القوى الجهادية التي تعمل في جيوب بشمال-غرب سوريا أي دعم خارجي. وعلى خلاف ما جرى لصدام حسين بعد حرب الخليج الأولى حيث بدأت الرياح تهب ضده فالرياح الجيوسياسية اليوم تفيد النظام السوري. ويعتقد الكاتب أن قرار ترامب سحب القوات من سوريا غير قواعد اللعبة. ففي المنطقتين الخارجتين عن سيطرة النظام، أي شمال-شرق وشمال-غرب البلاد تقعان تحت سيطرة الأمريكيين والأتراك. ولدى الدولتان ترتيبات مع روسيا مما يعني أن أي تقدم عسكري يتم من خلال الروس لا النظام السوري. ويشير للقاء وزراء الخارجية والدفاع الروس والأتراك في موسكو حيث اتفقت العاصمتان في إيلول (سبتمبر)، لمنع الهجوم على إدلب آخر المعاقل في يد المعارضة، رغم فشل تركيا الوفاء بتعهداتها لإخراج المعارضة الجهادية منها. وزادت الولايات المتحدة منذ إيلول (سبتمبر) من جهودها لمنع النظام التوسع في شرق سوريا. فقد تعامل النظام وحلفاؤه مع المناطق في شرقي البلاد كملاجئ آمنة لقوى معادية قد تغير اتجاه قتالها باتجاه النظام والجماعات الإيرانية الموالية له. وفي ضوء الترتيبات الموجودة بين الروس والأتراك والأمريكيين فلم يكن لدى النظام أو الإيرانيين أي خيار سوى الانصياع لأوامر النظام. وأزاح ترامب بقراره المخاوف السورية والإيرانية التي كانت تخشى من بقاء مستمر في شرقي البلاد. وماذا يحدث بعد يعتمد على التفاوض بين القوى التي ترى في الروس حليفا وليس عدوا-أي تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية. ويشير الكاتب إلى أن تركيا تخشى من سيطرة وحدات حماية الشعب قرب حدودها الجنوبية مع سوريا، أما الأكراد فهم يشعرون بالقلق من تكرار درس عفرين الذي سمحت فيه روسيا لتركيا باحتلال الجيب الكردي غربي نهر الفرات. وعليه استنجد الأكراد بقوات النظام السوري الأسبوع الماضي وطلبوا منها الدخول إلى بلدة منبج العربية، غربي الفرات. ويعتقد الكاتب أن ترتيبات الروس هي جزء من لعبة طويلة تختلف عن لعبة الإيرانيين. فموسكو في النهاية تريد تأمين اعتراف للنظام مع انخفاض وتيرة الحرب. ونجح الروس لدرجة معينة في التعاون مع تركيا التي ركزت منذ عام 2016 جهودها لمنع ولادة دولة كردية في داخل سوريا وتعاونت مع الروس فيما تعرف بمحادثات استانة، التي جعلت من خفض النزاع والاستجابة لمظاهر القلق التركية. وأقنعت الولايات المتحدة بعملية سياسية تركز على لجنة لكتابة الدستور بدلا من الانتخابات. ويشير الكاتب إلى أن روسيا طالما قدمت نفسها للغرب والدول العربية كموازن للتأثير الإيراني. وطالما قيل إن الروس والإيرانيين حلفاء إلا أن كل منهما لديه أجندته الخاصة. فمن ناحية تريد روسيا تقوية نظام الأسد وبناه البيروقراطية والأمنية والعسكرية ،أما إيران فتهدف لبناء نظام موال لها كما فعلت في العراق. إلا أن قرار الرئيس الأمريكي وضع غير كل هذا، فقد سلم ترامب سوريا لروسيا بشكل جعل من عملية جنيف التي تشرف عليها الأمم المتحدة بدون معنى. لأنها خلت من ورقة التأثير الغربي. ولم تعد استراتيجية مواجهة إيران في سوريا وما بعدها قائمة. ولهذا باتت دول ترى في الأسد حاجزا ضد الهيمنة الإيرانية بالمنطقة. واستطاعت روسيا إقناع دول مثل الإمارات بأن دعم النظام سيجعله أقل اعتمادا على إيران. وسيكون قادرا على استعادة استقلالية ووضع ما قبل 2011 إن تمت تقويته. ويشير الكاتب إلى أن الإمارات عومت في عام 2016 فكرة تطبيع العلاقات مع النظام السوري. إلا أن إدارة ترامب رفصتها. وفي بداية هذا العام بدأ المسؤولون الإماراتيون بإعادة تعويم الفكرة استئناف العلاقات مع الأسد وتشجيع السعودية والبحرين. وما زاد من هذه الجهود هي أن طبيعة النزاع تغيرت بشكل جذري، فالدول التي ساهمت في النزاع ودعم المعارضة تقوم الآن وبشكل فاعل بتقوية النظام بدرجة تجعله أقل اعتمادا على من منافسيها. وفي حالة تركيا فقد رحب المسؤولون الأتراك بسيطرة النظام على المناطق الحدودية حالة تم سحب مقاتلي حماية الشعب منها. وقال الرئيس رجب طيب أردوغان إن القوات التركية لن يكون لها أي مصلحة في منبج حالة خرجت منها وحدات الشعب. ويرى الكاتب أن الدعم للأسد خاصة من دول الخليج نابع من محاولتها إغلاق فصل الربيع العربي الذي بدأ عام 2011. ومن هنا فتقوية نظام الأسد يعني تقوية للثورات المضادة التي قادتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر والعودة إلى الوضع القائم قبل الثورات العربية، مع أن الإمارات مثلا تؤطر عودتها إلى سوريا من خلال مواجهة إيران. وبهذه الصورة فلن يواجه نظام الأسد العزلة التي واجهها نظام صدام بعد اجتياح الكويت. فقد فتح الأردن المعبر الحدودي مما يعني علاقات تجارية.
لم يتوقع أحد تغير المسار الإقليمي لصالح نظام الأسد وعودة علاقاته مع أعداء الأمس.
وتظل مشكلة الأسد وداعميه في طريقة إدارة العلاقة مع تركيا التي تصر على سحب قوات حماية الشعب من المناطق الحدودية. وقد تكون إعادة العلاقة مع أنقرة على حساب مواجهة جديدة بين النظام ووحدات حماية الشعب. وبنفس السياق فستجد روسيا نفسها في مواجهة مع تركيا حالة فشلت الأولى بإدارة العلاقة معها. وكانت العلاقة قد تطورت لمواجهة أمريكا. ومع انهيار النفوذ الأمريكي فربما وجد البلدان نفسيهما على تناقض. ولأن تركيا لديها سلطة على عدد من الجماعات الموالية لها في الشمال فربما اندلع العنف من جديد. ومهما حدث في قابل الأيام، فالتطورات الأخيرة تعتبر تأمينا للأسد ونظامه ونهاية للنفوذ الأمريكي وقضت على أي مواجهة سياسية للأسد، وبالضرورة مسارات جنيف التي كانت امريكا تعول عليها. ومن هنا فعودة العلاقات بين النظام وجيرانه تعزز من مكاسبه الأخيرة. ومع أن مسألة خروجه من السلطة حسمتها معركة حلب عام 2016 إلا أن أحدا لم يتوقع تغير المسار الإقليمي لصالحه وعودة علاقاته مع أعداء الأمس .
نقلا عن القدس العربي