في سبتمبر 1996، زرت إيران. ومن الذكريات التي ما زلت أحتفظ بها عن تلك الزيارة هو وجود لوحة فوق باب بهو الفندق الذي كنت أقيم فيه كتب عليها “لتسقط أميركا”. هذه العبارة لم تكن مكتوبة على لافتة أو رسم جداري، بل كانت منقوشة على الحائط وجزءا منه. وأذكر أنني قلت في نفسي: “يا إلهي، إنها منقوشة.. إنها لن تزول بسهولة”. اليوم وبعد قرابة عشرين عاماً على تلك الزيارة، وفي أعقاب التوصل لاتفاق إطاري بين إدارة أوباما وإيران، نحن أمام ما قد يكون أحسن فرصة لنزع تلك اللوحة وإزالتها، ولتخفيف الحرب الساخنة/الباردة، التي كانت تجمع الولايات المتحدة وإيران وعكرت صفو المنطقة ل36 عاماً. ولكنها فرصة محفوفة بمخاطر حقيقية بالنسبة لكل من أميركا وإسرائيل وحلفائنا العرب السنة، مخاطر تتمثل في إمكانية أن تتمكن إيران في النهاية من أن تصبح دولة ممتلكة للسلاح النووي.
الرئيس أوباما دعاني إلى المكتب البيضاوي بعد ظهر يوم السبت الماضي ليشرح لي بالضبط كيف يحاول التوفيق بين هذه المخاطر والفرص ضمن الاتفاق الإطار، الذي تم التوصل إليه مع إيران خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي في سويسرا. ولكن ما لفت انتباهي أكثر من أي شيء آخر هو ما سأسميه “عقيدة أوباما” مجسدةً في تصريحات الرئيس. وقد اتضحت ملامح هذه العقيدة عندما سألتُه ما إن كان ثمة قاسم مشترك بين قرارته بالتخلي عن السياسات الأميركية القديمة، التي كانت تفرض عزلة على بورما وكوبا ثم إيران. فقال أوباما إنه يعتقد أن “سياسة الانخراط” يمكنها، إلى جانب تلبية الاحتياجات الاستراتيجية الأميركية الجوهرية، أن تخدم المصالح الأميركية في هذه البلدان الثلاث أفضل بكثير مقارنة مع عقوبات وعزلة لا نهاية لهما.
وأضاف أن أميركا، ونظراً لقوتها الماحقة، ينبغي أن تشعر بالثقة في النفس لركوب بعض المخاطر المدروسة من أجل فتح إمكانات جديدة مهمة – مثل محاولة صياغة اتفاق دبلوماسي مع إيران، اتفاق يسمح لها بالإبقاء على جزء من بنيتها التحتية النووية، ولكنه يعطّل في الوقت نفسه قدرتها على صنع قنبلة نووية لفترة عقد على الأقل، إن لم يكن أكثر.
وقال الرئيس في هذا الصدد: “إننا أقوياء بما يكفي حتى نستطيع اختبار هذه الأمور بدون أن نعرّض أنفسنا للخطر”، مضيفاً: “لنأخذ بلداً مثل كوبا على سبيل المثال. فأن نقوم باختبار ما إن كانت سياسة الانخراط ستفضي إلى نتيجة أفضل بالنسبة للشعب الكوبي، فهذا أمر لا ينطوي على أخطار كثيرة بالنسبة لنا. ذلك أنها بلد صغير جدا، وهي ليست بلدا يهدد مصالحنا الأمنية الجوهرية، وبالتالي، (فليس هناك سبب) لعدم اختبار هذا الأمر. ثم إنه إذا تبين أن ذلك لا يفضي إلى نتائج أفضل، فيمكننا أن نقوم بتعديل سياساتنا. والشيء نفسه ينطبق على إيران. صحيح أنها بلد أكبر، وبلد خطير، وسبق أن انخرط في أنشطة تسببت في مقتل مواطنين أميركيين، ولكن الحقيقة هي أن ميزانية الدفاع الإيرانية تبلغ 30 مليار دولار في حين تبلغ ميزانيتنا الدفاعية ما يناهز 600 مليار دولار. فإيران تدرك أنها لا يمكنها أن تقاتلنا.. لقد سألتَ عن عقيدة أوباما. حسنا، إن العقيدة تقوم على التالي: إننا سنتعامل معكم، ولكننا سنحافظ على كل قدراتنا”.
إيران يمكن ردعها
إن الفكرة القائلة بأن إيران بلد لا يمكن ردعه “هي بكل بساطة ليست واقع الحال”، يقول أوباما. وبالتالي، فأن نقول “لنحاول” – ونحن ندرك أننا نحافظ على كل خياراتنا، وأننا لسنا سذجا – ولكن إذا استطعنا حل هذه المشاكل بالطرق الدبلوماسية، فإن الاحتمال الأكبر هو أننا سنكون بسلام، وبأمان، وفي وضع أفضل لحماية حلفائنا، ومن يدري؟ فقد تتغير إيران. أما إذا لم تتغير، فإن قدراتنا الردعية وتفوقنا العسكري سيظلان كما هما.. إننا لا نتخلى هنا عن قدرتنا على الدفاع عن أنفسنا أو حلفائنا. وفي هذه الحالة، لماذا لا نجرب الأمر.
أما بخصوص حماية حلفائنا العرب السُنة مثل السعودية، فيقول الرئيس الأميركي، فإنهم يواجهون بعض التهديدات الخارجية الحقيقية جدا، ولكنهم يواجهون أيضا بعض التهديدات الداخلية – “بعض السكان الذين يعانون التهميش في بعض الحالات، وبعض الشباب الذي يعانون البطالة أو سوء التوظيف، وفي بعض الحالات، مجرد الشعور بعدم وجود متنفس سياسي للتظلمات. وبالتالي، فمهمتنا هي أن نعمل مع هذه الدول وأن نقول لها: “كيف لنا أن نطوِّر قدراتك الدفاعية لمواجهة التهديدات الخارجية، ولكن أيضا كيف يمكننا أن نقوي الدولة في هذه البلدان حتى يشعر الشباب السنة بأن لديهم شيئا غير (داعش) ليختاروا منه.. وأعتقدُ أن أكبر التهديدات التي يواجهونها ربما لن تأتي من غزو إيراني وإنما من مشاعر الإحباط والاستياء داخل بلدانهم. إنه حوار صعب، ولكنه حوار لا مناص منه”.
بيد أن الاتفاق مع إيران لم ينته بعد إذ يقول الرئيس: “إننا لم ننتهِ بعد. فما زالت هناك تفاصيل كثيرة ينبغي أن تُناقش، وقد نرى تراجعا وانزلاقات وصعوبات حقيقية جدا، سواء في إيران أو هنا في الكونجرس بالطبع”.
مخاوف إسرائيلية
ولما كان الرئيس يدرك تخوفات إسرائيل، وحقيقة أنها تخوفات يتقاسمها الكثير من الإسرائيليين، فماذا كان الرئيس الأميركي سيقول لهؤلاء لو أتيحت له فرصة الدفاع عن هذا الاتفاق الإطاري بشكل مباشر أمام الإسرائيليين؟
“ما سأقوله لهم هو كالتالي”، يجيب الرئيس. “لديكم كل الحق في القلق من إيران. فهذا نظام عبّر على أعلى مستوى فيه عن رغبته في تدمير إسرائيل، وأنكر الهولوكوست، وعبّر عن أفكار سامة معادية للسامية، كما أنه بلد كبير مساحة وسكاناً ويملك جيشاً متطوراً. وبالتالي، فإسرائيل محقة في أن تشعر بالقلق بشأن إيران، وينبغي من دون شك أن يكونوا حريصين على ألا تمتلك إيران قنبلة نووية”. ولكن هذا الاتفاق الإطاري، يشدد الرئيس، يمكنه، إن تسنى تنفيذه، أن يستجيب لذلك التخوف الاستراتيجي الإسرائيلي بفعالية أكبر وكلفة أقل بالنسبة لإسرائيل مقارنة مع أي مقاربة أخرى. ويقول أوباما: “إننا نعلم أن ضربة عسكرية أو سلسلة من الضربات العسكرية يمكن أن تتسبب في انتكاسة وتأخير لبرنامج إيران النووي لفترة من الوقت – إلا أنه من شبه المؤكد أن ذلك سيدفع إيران إلى الإسراع لتطوير قنبلة، وسيوفر ذريعة للمتشددين داخل إيران ليقولوا: “إن هذا هو ما يحدث عندما لا يكون لديك سلاح نووي: أميركا تهاجم”.
ما بعد العقوبات
(إننا ندرك أننا إذا لم نقم بأي شيء، عدا الإبقاء على العقوبات فقط، فإنهم سيواصلون تطوير بنيتهم التحتية وسيكون لدينا إطلاع أقل على ما يحدث بالضبط”، يقول أوباما. وبالتالي، فهذا قد لا يكون الاتفاق الأفضل. وفي عالم مثالي، ربما كانت إيران ستقول: “إنا لن نحتفظ بأي بنية تحتية نووية”، ولكن ما نعرفه هو أن الأمر أصبح بالنسبة لإيران اليوم مسألة فخر ووطنية. فحتى الأشخاص الذين نعتبرهم معتدلين وإصلاحيين يدعمون نوعاً من البرامج النووية داخل إيران، ونظراً لأنهم لن يستسلموا كلياً، ونظراً لأنهم لا يمكنهم تلبية الشروط التي وضعها رئيس الوزراء نتنياهو، فإنه لا يوجد زعماء إيرانيون سيقبلون القيام بذلك. ثم إنه بالنظر لحقيقة أن هذا بلد تحمّل حرباً دامت ثماني سنوات ومليون قتيل، فإنهم أظهروا، في تقديري، أنهم مستعدون لتحمل المعاناة عندما اعتبروا هذا الأمر مسألة فخر وطني، أو بقاء وطنياً في بعض الحالات).
وقال الرئيس أوباما: “أنْ نقوم ببحث تلك الخيارات ونقول لأنفسنا: “إذا تمكنا من القيام بتفتيش دقيق وغير مسبوق، وكنا نعلم في كل مرحلة من مراحل عمليتهم النووية ما يقومون بهم بالضبط، واستمر ذلك ل20 عاما، علماً بأن برنامجهم لن يجمَّد خلال ال10 سنوات الأولى فحسب وإنما سيقلَّص إلى حد كبير، وكنا نعلم أنهم حتى إنْ أرادوا أن يغشوا، فإنه سيكون لدينا عام على الأقل (وهي فترة أطول بثلاث مرات مقارنة مع لدينا اليوم)، وسيكون لنا اطلاع لم يكن متاحاً لنا في أي وقت من الأوقات من قبل على برامجهم، “في هذه الحالة، فإن الفكرة التي تقول إن علينا ألا نقبل بهذا الاتفاق، وإن ذلك لا يصب في مصلحة إسرائيل هو كلام غير صحيح”.
ويضيف أوباما محاججاً: لأن “الشيء الوحيد الذي يغيّر المعادلة هو عندما تحصل هذه البلدان على سلاح نووي… ولنأخذ على سبيل المثال كوريا الشمالية، وهي دولة من الصعب التعامل معها وقد ازدادت خطورة بسبب برنامجها النووي. فإذا استطعنا منع حدوث ذلك في أي مكان آخر في العالم، فإن ذلك شيء يستحق بعض المجازفة”.
وتابع: “عليّ أن أحترم المخاوف التي تساور الشعب الإسرائيلي وأدرك أن رئيس الوزراء نتنياهو يعبّر عن التخوفات العميقة التي تساور الكثير من الإسرائيليين بشأن هذا الموضوع، ولكنني أقول لهم: أولًا، إن هذا هو رهاننا الأفضل حتى الآن للحرص على ألا تحصل إيران على سلاح نووي، وثانياً، إن ما سنقوم به حتى حين تطبيق هذا الاتفاق هو البعث برسالة واضحة لا لبس فيها إلى الإيرانيين والمنطقة برمتها مؤداها أنه إذا أراد أي بلد أن يعبث مع إسرائيل، فإن أميركا ستكون هناك. وأعتقد أن الجمع بين العملية الدبلوماسية التي تضع الموضوع النووي على جانب – والبعث في الوقت نفسه برسالة واضحة إلى الإيرانيين، مفادها أن عليكم أن تغيّروا سلوككم أكثر وأننا سنقوم بحماية حلفائنا إذا واصلتم الانخراط في أنشطة عدائية مزعزعة للاستقرار – أعتقد أن هذا الجمع لا يُطَمئن أصدقاءنا فحسب وإنما يساهم في خفض حدة التوتر أيضاً”.
دور الحلفاء العرب
وبخصوص حلفاء أميركا من السُنة العرب، أعاد أوباما التأكيد على أنه لئن كان مستعداً للمساعدة على زيادة قدراتهم العسكرية، فينبغي عليهم أيضا أن يبدوا استعدادا أكبر لاستخدام قواتهم البرية لحل المشاكل الإقليمية. ويقول أوباما: “إن الحوارات التي أريد أن أجريها مع بلدان الخليج هي أولاً وقبل كل شيء حول كيف ينشئون قدرات دفاعية أكثر فعالية”، مضيفاً: “أعتقدُ أنه حينما ينظر المرء إلى ما يجري في سوريا، على سبيل المثال، فإنه كانت ثمة رغبة كبيرة في أن تتدخل الولايات المتحدة هناك، وتقوم بشيء ما. ولكن السؤال هو: لماذا لا نرى العرب يحاربون انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ارتكبت، أو يقاتلون ما فعله الأسد؟ وأعتقد أيضا أنني أستطيع أن أبعث برسالة إليهم حول التزام الولايات المتحدة بالعمل معهم والحرص على عدم تعرضهم لغزو من الخارج، وهذا ربما سيخفف من بعض تخوفاتهم وسيسمح لهم بإجراء حوار مثمر أكثر مع الإيرانيين. ولكن ما لا أستطيع القيام به هو الالتزام بالتعامل مع بعض تلك المشاكل الداخلية التي يواجهونها بدون أن يقوموا ببعض التغييرات التي تلبي احتياجات شعوبهم“.
“فعندما يتعلق الأمر باعتداء خارجي، فأعتقدُ أننا سنكون هناك إلى جانب أصدقائنا (العرب) – وأود هنا بحث كيف يمكننا الاتفاق حول ذلك بشكل رسمي أكثر بعض الشيء مما لدينا حالياً، وكذا المساعدة في تطوير قدرتهم حتى يشعروا بثقة أكبر بشأن قدرتهم على حماية أنفسهم من اعتداء خارجي”. ولكن “التهديدات الأكبر التي يواجهونها”، يشدد أوباما من جديد، “ربما لن تأتي من غزو إيراني، وإنما من مشاعر الاستياء داخل بلدانهم. وأعتقد أن تمييز ذلك عن الأنشطة الإرهابية الحقيقية داخل بلدانهم، وكيفية تنظيم هذه المسألة، وتعاوننا بشأن محاربة الإرهاب الذي كان مهما للغاية بالنسبة لأمننا – بدون شرعنة أو موافقة أوتوماتيكية على أي أساليب قمعية قد يستخدمونها – فأعتقد أنه هذا حوار سيكون صعبا، ولكنه حوار لا بد منه”.
وأضاف أن أميركا، ونظراً لقوتها الماحقة، ينبغي أن تشعر بالثقة في النفس لركوب بعض المخاطر المدروسة من أجل فتح إمكانات جديدة مهمة – مثل محاولة صياغة اتفاق دبلوماسي مع إيران، اتفاق يسمح لها بالإبقاء على جزء من بنيتها التحتية النووية، ولكنه يعطّل في الوقت نفسه قدرتها على صنع قنبلة نووية لفترة عقد على الأقل، إن لم يكن أكثر.
وقال الرئيس في هذا الصدد: “إننا أقوياء بما يكفي حتى نستطيع اختبار هذه الأمور بدون أن نعرّض أنفسنا للخطر”، مضيفاً: “لنأخذ بلداً مثل كوبا على سبيل المثال. فأن نقوم باختبار ما إن كانت سياسة الانخراط ستفضي إلى نتيجة أفضل بالنسبة للشعب الكوبي، فهذا أمر لا ينطوي على أخطار كثيرة بالنسبة لنا. ذلك أنها بلد صغير جدا، وهي ليست بلدا يهدد مصالحنا الأمنية الجوهرية، وبالتالي، (فليس هناك سبب) لعدم اختبار هذا الأمر. ثم إنه إذا تبين أن ذلك لا يفضي إلى نتائج أفضل، فيمكننا أن نقوم بتعديل سياساتنا. والشيء نفسه ينطبق على إيران. صحيح أنها بلد أكبر، وبلد خطير، وسبق أن انخرط في أنشطة تسببت في مقتل مواطنين أميركيين، ولكن الحقيقة هي أن ميزانية الدفاع الإيرانية تبلغ 30 مليار دولار في حين تبلغ ميزانيتنا الدفاعية ما يناهز 600 مليار دولار. فإيران تدرك أنها لا يمكنها أن تقاتلنا.. لقد سألتَ عن عقيدة أوباما. حسنا، إن العقيدة تقوم على التالي: إننا سنتعامل معكم، ولكننا سنحافظ على كل قدراتنا”.
إيران يمكن ردعها
إن الفكرة القائلة بأن إيران بلد لا يمكن ردعه “هي بكل بساطة ليست واقع الحال”، يقول أوباما. وبالتالي، فأن نقول “لنحاول” – ونحن ندرك أننا نحافظ على كل خياراتنا، وأننا لسنا سذجا – ولكن إذا استطعنا حل هذه المشاكل بالطرق الدبلوماسية، فإن الاحتمال الأكبر هو أننا سنكون بسلام، وبأمان، وفي وضع أفضل لحماية حلفائنا، ومن يدري؟ فقد تتغير إيران. أما إذا لم تتغير، فإن قدراتنا الردعية وتفوقنا العسكري سيظلان كما هما.. إننا لا نتخلى هنا عن قدرتنا على الدفاع عن أنفسنا أو حلفائنا. وفي هذه الحالة، لماذا لا نجرب الأمر.
أما بخصوص حماية حلفائنا العرب السُنة مثل السعودية، فيقول الرئيس الأميركي، فإنهم يواجهون بعض التهديدات الخارجية الحقيقية جدا، ولكنهم يواجهون أيضا بعض التهديدات الداخلية – “بعض السكان الذين يعانون التهميش في بعض الحالات، وبعض الشباب الذي يعانون البطالة أو سوء التوظيف، وفي بعض الحالات، مجرد الشعور بعدم وجود متنفس سياسي للتظلمات. وبالتالي، فمهمتنا هي أن نعمل مع هذه الدول وأن نقول لها: “كيف لنا أن نطوِّر قدراتك الدفاعية لمواجهة التهديدات الخارجية، ولكن أيضا كيف يمكننا أن نقوي الدولة في هذه البلدان حتى يشعر الشباب السنة بأن لديهم شيئا غير (داعش) ليختاروا منه.. وأعتقدُ أن أكبر التهديدات التي يواجهونها ربما لن تأتي من غزو إيراني وإنما من مشاعر الإحباط والاستياء داخل بلدانهم. إنه حوار صعب، ولكنه حوار لا مناص منه”.
بيد أن الاتفاق مع إيران لم ينته بعد إذ يقول الرئيس: “إننا لم ننتهِ بعد. فما زالت هناك تفاصيل كثيرة ينبغي أن تُناقش، وقد نرى تراجعا وانزلاقات وصعوبات حقيقية جدا، سواء في إيران أو هنا في الكونجرس بالطبع”.
مخاوف إسرائيلية
ولما كان الرئيس يدرك تخوفات إسرائيل، وحقيقة أنها تخوفات يتقاسمها الكثير من الإسرائيليين، فماذا كان الرئيس الأميركي سيقول لهؤلاء لو أتيحت له فرصة الدفاع عن هذا الاتفاق الإطاري بشكل مباشر أمام الإسرائيليين؟
“ما سأقوله لهم هو كالتالي”، يجيب الرئيس. “لديكم كل الحق في القلق من إيران. فهذا نظام عبّر على أعلى مستوى فيه عن رغبته في تدمير إسرائيل، وأنكر الهولوكوست، وعبّر عن أفكار سامة معادية للسامية، كما أنه بلد كبير مساحة وسكاناً ويملك جيشاً متطوراً. وبالتالي، فإسرائيل محقة في أن تشعر بالقلق بشأن إيران، وينبغي من دون شك أن يكونوا حريصين على ألا تمتلك إيران قنبلة نووية”. ولكن هذا الاتفاق الإطاري، يشدد الرئيس، يمكنه، إن تسنى تنفيذه، أن يستجيب لذلك التخوف الاستراتيجي الإسرائيلي بفعالية أكبر وكلفة أقل بالنسبة لإسرائيل مقارنة مع أي مقاربة أخرى. ويقول أوباما: “إننا نعلم أن ضربة عسكرية أو سلسلة من الضربات العسكرية يمكن أن تتسبب في انتكاسة وتأخير لبرنامج إيران النووي لفترة من الوقت – إلا أنه من شبه المؤكد أن ذلك سيدفع إيران إلى الإسراع لتطوير قنبلة، وسيوفر ذريعة للمتشددين داخل إيران ليقولوا: “إن هذا هو ما يحدث عندما لا يكون لديك سلاح نووي: أميركا تهاجم”.
ما بعد العقوبات
(إننا ندرك أننا إذا لم نقم بأي شيء، عدا الإبقاء على العقوبات فقط، فإنهم سيواصلون تطوير بنيتهم التحتية وسيكون لدينا إطلاع أقل على ما يحدث بالضبط”، يقول أوباما. وبالتالي، فهذا قد لا يكون الاتفاق الأفضل. وفي عالم مثالي، ربما كانت إيران ستقول: “إنا لن نحتفظ بأي بنية تحتية نووية”، ولكن ما نعرفه هو أن الأمر أصبح بالنسبة لإيران اليوم مسألة فخر ووطنية. فحتى الأشخاص الذين نعتبرهم معتدلين وإصلاحيين يدعمون نوعاً من البرامج النووية داخل إيران، ونظراً لأنهم لن يستسلموا كلياً، ونظراً لأنهم لا يمكنهم تلبية الشروط التي وضعها رئيس الوزراء نتنياهو، فإنه لا يوجد زعماء إيرانيون سيقبلون القيام بذلك. ثم إنه بالنظر لحقيقة أن هذا بلد تحمّل حرباً دامت ثماني سنوات ومليون قتيل، فإنهم أظهروا، في تقديري، أنهم مستعدون لتحمل المعاناة عندما اعتبروا هذا الأمر مسألة فخر وطني، أو بقاء وطنياً في بعض الحالات).
وقال الرئيس أوباما: “أنْ نقوم ببحث تلك الخيارات ونقول لأنفسنا: “إذا تمكنا من القيام بتفتيش دقيق وغير مسبوق، وكنا نعلم في كل مرحلة من مراحل عمليتهم النووية ما يقومون بهم بالضبط، واستمر ذلك ل20 عاما، علماً بأن برنامجهم لن يجمَّد خلال ال10 سنوات الأولى فحسب وإنما سيقلَّص إلى حد كبير، وكنا نعلم أنهم حتى إنْ أرادوا أن يغشوا، فإنه سيكون لدينا عام على الأقل (وهي فترة أطول بثلاث مرات مقارنة مع لدينا اليوم)، وسيكون لنا اطلاع لم يكن متاحاً لنا في أي وقت من الأوقات من قبل على برامجهم، “في هذه الحالة، فإن الفكرة التي تقول إن علينا ألا نقبل بهذا الاتفاق، وإن ذلك لا يصب في مصلحة إسرائيل هو كلام غير صحيح”.
ويضيف أوباما محاججاً: لأن “الشيء الوحيد الذي يغيّر المعادلة هو عندما تحصل هذه البلدان على سلاح نووي… ولنأخذ على سبيل المثال كوريا الشمالية، وهي دولة من الصعب التعامل معها وقد ازدادت خطورة بسبب برنامجها النووي. فإذا استطعنا منع حدوث ذلك في أي مكان آخر في العالم، فإن ذلك شيء يستحق بعض المجازفة”.
وتابع: “عليّ أن أحترم المخاوف التي تساور الشعب الإسرائيلي وأدرك أن رئيس الوزراء نتنياهو يعبّر عن التخوفات العميقة التي تساور الكثير من الإسرائيليين بشأن هذا الموضوع، ولكنني أقول لهم: أولًا، إن هذا هو رهاننا الأفضل حتى الآن للحرص على ألا تحصل إيران على سلاح نووي، وثانياً، إن ما سنقوم به حتى حين تطبيق هذا الاتفاق هو البعث برسالة واضحة لا لبس فيها إلى الإيرانيين والمنطقة برمتها مؤداها أنه إذا أراد أي بلد أن يعبث مع إسرائيل، فإن أميركا ستكون هناك. وأعتقد أن الجمع بين العملية الدبلوماسية التي تضع الموضوع النووي على جانب – والبعث في الوقت نفسه برسالة واضحة إلى الإيرانيين، مفادها أن عليكم أن تغيّروا سلوككم أكثر وأننا سنقوم بحماية حلفائنا إذا واصلتم الانخراط في أنشطة عدائية مزعزعة للاستقرار – أعتقد أن هذا الجمع لا يُطَمئن أصدقاءنا فحسب وإنما يساهم في خفض حدة التوتر أيضاً”.
دور الحلفاء العرب
وبخصوص حلفاء أميركا من السُنة العرب، أعاد أوباما التأكيد على أنه لئن كان مستعداً للمساعدة على زيادة قدراتهم العسكرية، فينبغي عليهم أيضا أن يبدوا استعدادا أكبر لاستخدام قواتهم البرية لحل المشاكل الإقليمية. ويقول أوباما: “إن الحوارات التي أريد أن أجريها مع بلدان الخليج هي أولاً وقبل كل شيء حول كيف ينشئون قدرات دفاعية أكثر فعالية”، مضيفاً: “أعتقدُ أنه حينما ينظر المرء إلى ما يجري في سوريا، على سبيل المثال، فإنه كانت ثمة رغبة كبيرة في أن تتدخل الولايات المتحدة هناك، وتقوم بشيء ما. ولكن السؤال هو: لماذا لا نرى العرب يحاربون انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ارتكبت، أو يقاتلون ما فعله الأسد؟ وأعتقد أيضا أنني أستطيع أن أبعث برسالة إليهم حول التزام الولايات المتحدة بالعمل معهم والحرص على عدم تعرضهم لغزو من الخارج، وهذا ربما سيخفف من بعض تخوفاتهم وسيسمح لهم بإجراء حوار مثمر أكثر مع الإيرانيين. ولكن ما لا أستطيع القيام به هو الالتزام بالتعامل مع بعض تلك المشاكل الداخلية التي يواجهونها بدون أن يقوموا ببعض التغييرات التي تلبي احتياجات شعوبهم“.
“فعندما يتعلق الأمر باعتداء خارجي، فأعتقدُ أننا سنكون هناك إلى جانب أصدقائنا (العرب) – وأود هنا بحث كيف يمكننا الاتفاق حول ذلك بشكل رسمي أكثر بعض الشيء مما لدينا حالياً، وكذا المساعدة في تطوير قدرتهم حتى يشعروا بثقة أكبر بشأن قدرتهم على حماية أنفسهم من اعتداء خارجي”. ولكن “التهديدات الأكبر التي يواجهونها”، يشدد أوباما من جديد، “ربما لن تأتي من غزو إيراني، وإنما من مشاعر الاستياء داخل بلدانهم. وأعتقد أن تمييز ذلك عن الأنشطة الإرهابية الحقيقية داخل بلدانهم، وكيفية تنظيم هذه المسألة، وتعاوننا بشأن محاربة الإرهاب الذي كان مهما للغاية بالنسبة لأمننا – بدون شرعنة أو موافقة أوتوماتيكية على أي أساليب قمعية قد يستخدمونها – فأعتقد أنه هذا حوار سيكون صعبا، ولكنه حوار لا بد منه”.