عندما قررت الولايات المتحدة عام 2014 إرسال قواتها إلى الأراضي السورية، أعلنت أن هدفها الوحيد هو القضاء على تنظيم داعش. وقال محللون روس آنذاك إن هدف أمريكا لن يقتصر على ذلك، فيما أكد المحافظون الجدد أن الهدف يجب أن لا يقتصر على هزيمة داعش. لكن الإعلام الغربي بأسره، والكتاب الأتراك أيضًا اعتبروا الإعلان صادقًا.
في ذلك الوقت كان داود أوغلو قد أصبح رئيسًا للوزراء حديثًا، لكنه لم يكن غريبًا على التطورات لاضطلاعه بحقيبة الخارجية. كانت تركيا تمر بمرحلة انتقالية كبيرة واستقبلت الإعلان الأمريكي بتفاؤل حذر.
صدق المحللون الروس، ونطقت واشنطن بالسر المكنون نهاية الأسبوع الماضي. عندما بدأت مقاتلة سورية بقصف مواقع لحزب الاتحاد الديمقراطي قامت الولايات المتحدة بإسقاطها وأصدرت البيان التالي:
“مهمة التحالف الدولي هي هزيمة داعش في العراق وسوريا. لا يرغب التحالف بالاقتتال مع النظام السوري أو روسيا أو القوات الموالية للنظام التي تقيم شراكة معهما. لكن التحالف لن يتردد في حماية القوات التابعة له أو لشركائه”.
هذه الجملة المكتوبة بلغة دلوماسية ويبدو في الظاهر أنها تؤكد العزم على الدفاع فقط، هي في الحقيقة تصريح بعزم الولايات المتحدة على تقسيم سوريا وأنها مستعدة في سبيل ذلك حتى للاصطدام إقليميًّا مع روسيا.
تضم قائمة حلفاء واشنطن حوالي 70 بلدًا ليسوا جيرانًا حتى لسوريا، باستثناء البعض منهم. موجودات هذه البلدان الواجب حمايتها بدءًا من المستشفيات الميدانية وحتى المطاعم المتنقلة ليست تحت التهديد، باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي! خلال العامين ونصف العام الماضيين دربت الولايات المتحدة عناصر الحزب وسلحتهم وقدمت لهم الأراضي والنفوذ بتغاضيها عن حملات التطهير العرقي التي يمارسونها.
وعند النظر إلى الخرائط التي نشرتها مصادرأمريكية نرى ذلك بوضوح. فباستثناء 2015 كيلومترًا مربعًا محمية في إطار درع الفرات يُشار إلى شمالي سوريا بأسره على أنه “أراضٍ كردية”. كما أن الكثير من البرامج التلفزيونية الأمريكية بدأت تناقش أبعاد العملية العسكرية المزمعة إلى الجنوب بعد عملية الرقة.
“الشريك” الذي أعلنت واشنطن، عبرهذه الجملة القصيرة الواردة في بيانها الصادر السبت الماضي، أنها ستحميه ضد كافة التهديدات ليس المراحيض المتنقلة التي أرسلتها أستراليا، وإنما المنطقة الكردية المزعومة.
أعتقد أن ما يجب البحث فيه الآن هو هل سيقبل النظام السوري وحليفته روسيا هذا الأمر الواقع أم لا. وإذا كان من الممكن استخلاص نتيجة من العملية العسكرية الحالية نستطيع القول إن قوات الأسد المدعومة من روسيا ستضع خطًّا يمر من دير الزور، وتمنع قوات حزب الاتحاد الديمقراطي من عبوره باتجاه الجنوب.
هذا السيناريو يعني تقسيم سوريا إلى جزءين وليس ثلاثة كما كان يُقال حتى اليوم. وإذا تحولت هذه الخطة إلى اتفاق فعلي بين أمريكا وروسيا فقد لا يقع اقتتال كبير. ومن الممكن للأسد أن يتخلى عن ثلث البلد لمجموعة عرقية كان حتى الأمس لا يمنحها وثيقة الهوية، مقابل المحافظة على كرسي حكمه الدامي.
ترك برس