تحكي لنا “منال أبازيد”، التي تبلغ من العمر (30 عاماً)، قصتها، فقد انضمت إلى الدفاع المدني السوري في محافظة درعا في شهر مارس/ آذار عام 2015. وتكتب لنا عن الشجاعة والبطولة التي تميز المرأة في سوريا اليوم.
تقول أبازيد: “لقد تغيّرت حياة النساء كثيراً جراء الحرب. فمن جهة، حظيت النساء بفرص كثيرة في مجالات للعمل لم تكن متوفرة لهن من قبل. وأصبحت الناشطات الإعلاميات مراسلات في المراحل الأولى من الثورة وخاطرن بحياتهن لنقل قصص عن القصف والدمار والحصار التي تحدث كل يوم في سوريا. كما انضمت النساء إلى الدفاع المدني للعمل في الإسعاف والإنقاذ.
في بداية عملي متطوعةً في الدفاع المدني السوري “SCD”، عانى المجتمع المحلي الكثير لتقبّل فكرة عمل المرأة كمنقذة أو مسعفة، إلا أننا حظينا مع الوقت باحترامهم وتقديرهم عندما شهدوا مخاطرتنا بحياتنا لمساعدة النساء والأطفال عند التعرض للقصف.
عندما بدأت عملي التطوعي مع الدفاع المدني السوري، دخلت في دورات تدريبية للاستجابة الطبية الفعالة في حالات الطوارئ، كما تلقيت التدريب مع 12 عضواً من الإناث من الدفاع المدني، في قسم التوليد. وتعد الولادة من أخطر الحالات بالنسبة للنساء؛ ذلك أن معظم المراكز الصحية والمستشفيات في سوريا قد دُمرت ولم يتبقَّ سوى عدد قليل من المراكز للنساء والأطفال، فضلاً عن هروب معظم العاملين في المجال الطبي خوفاً من القصف أو التعرض إلى الاعتقال على أيدي الأجهزة الامنية. ونتيجة لذلك، فقدت العديد من النساء حياتهن وحياة أطفالهن الرضع.
كما يتعين على غالبية النساء السفر إلى مناطق أخرى من أجل الولادة. ويواجهن أثناء ذلك مخاطر جمة عن طريق قطع المسافات الطويلة وعبور العديد من نقاط التفتيش بحثاً عن مختصين في الأمراض النسائية أو قابلات أو مستشفيات.
وأنا أيضاً تعرضت إلى مخاطر كبيرة بسبب إرادتي القوية ورغبتي في مساعدة الآخرين، لكن إيماني في العمل الإنساني يمنحني الشجاعة لمواجهة تلك المخاطر. إذ من الممكن أن أتعرض للإصابة أو القتل يومياً، وذلك لأنني أعمل وأعيش في مناطق تُقصَف باستمرار.
هناك الآلاف ممن يعيشون تحت القصف اليومي، ومن بينهم الكثير من النساء والأطفال الذين يحتاجون مساعدتنا. وطالما وُجد أناس بحاجة إلى المساعدة، لا بد لنا من أن نتخطى مخاوفنا ونتجاوز الصعاب لنكون جاهزين من أجلهم.
لقد عانت المرأة السورية الكثير بسبب الحرب، لا سيما أولئك اللواتي فقدن أزواجهن أو أرباب أسرتهن. كما اضطرت النساء إلى تولي المسؤولية كاملة عن عائلاتهم في الوقت الذي تم فيه تدمير منازلهم. إنهن يعشن يوماً بعد يوم في خوف من أن يُقتل أولادهن في القصف، وخوفاً من التهجير القسري من مكان إلى آخر أو تعرّض أزواجهن إلى الاعتقال أو حتى خسارة الأمن والاستقرار من العيش في المخيمات.
ونحن بذلك لسنا مضطرات إلى الاعتناء بأنفسنا وحسب، وإنما بعائلاتنا والمحيطين بنا كذلك. وعليه تؤدي المرأة العديد من الأدوار، إذ يتعيّن عليها أن تكون الأب والأم والأخت والصديقة.
أن تكوني امرأة في سوريا اليوم، يعني أن تكوني ممتنة إن لم تفقدي أي فرد من عائلتك أو أقاربك أو منزلك.
أن تكوني امرأة في سوريا اليوم، يعني أن تكوني أماً، ومعلمة، وممرضة في ظل غياب المدارس والعناية الطبية. وأن تفكري كل صباح في كيفية حماية أطفالك، وتقديم الغذاء لهم، وتعليمهم، وحمايتهم ومعالجتهم في حال أصيبوا بمرض ما أو تعرضوا للإصابة بالجروح.
أن تكوني امرأة في سوريا اليوم، يعني أنه ينبغي لك أن تتعلمي كيف تفسرين لأطفالك ما يجري من حولهم، ولمَ فقدوا والدهم، ولمَ لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة كغيرهم من الأطفال في العالم، ولمَ لا يستطيعون اللعب أو الذهاب إلى الحدائق. وفي أسوأ الحالات، يجب عليكِ أن تكوني قادرة على أن توضحي لطفلك لمَ فقد جزءاً من جسده، وعليكِ أيضاً أن تبيني له أنه كغيره من الأطفال حتى وإن كان قد فقد يداً أو قدماً أو عيناً.
أن تكوني امرأة في سوريا اليوم، يعني أن تكوني امرأة فولاذية؛ امرأة سورية لا تنكسر مهما كانت الظروف.
آمل أن تنتهي الحرب في سوريا قريباً، وأن يعم السلام في أرجائها. إن عملنا لن ينتهي بانتهاء الحرب، بل إن العمل الحقيقي يبدأ بعد الحرب. سنعيد بناء بلدنا وننشر ثقافة السلام والمحبة.
أود أن أقول لكل نساء العالم أننا قادرات على القيام بأي شيء. لا يوجد شيء يستطيع أن يحول بين عزيمتنا وشجاعتنا.
نساء سوريا هن المنقذات والمسعفات والناشطات والمعلمات والأمهات اللواتي فقدن بيوتهن وأزواجهن وأطفالهن. وعلى الرغم من كل ذلك، لم تفقد المرأة السورية شجاعتها وإصرارها على الإطلاق”.
صدى الشام