هذه القصة بعنوان
هيلا يا واسع!!
كانت السماء تلقي بسوداها ويرافقها هواء بارد يلف هدير الموج، لم يستطع (محمد)أن يسمع شيئاً في هذا الهدوء إلا بكاء صامتاً لمن بقي ممن حوله، هي قطعة من حقيبة صغيرة بلاستيكة فيها بعض الأوراق، كان جسده يرتجف ويبدأ بالهذيان، لم يدرك ما يشاهد في هذا الظلام، ذاكرته التي تريد النسيان كانت تئن وتذكره بما حصل قبل ساعات،
فقط دموعه التي تنهمر كانت تلتهب هلعاً وحزناً، وماتلبث أن يسكنها صقيع يجعله ينتظر موته ببطء شديد، كان يسمع كل فترة ما بين السكون صوتهم وهم يستنجدون دون مغيث، بكاء يشق السماء السوداء، ولايرجع صدى صوتهم.
قبل ساعات…
–بقي بضع ساعات لنصل لاخوف أليس كذلك؟
محمد أنت متفائل جدا ألا ترى كيف يعلو ويهبط هذا (البلم) لا أستطيع أن لا أخاف بصراحة، انظر للنساء والأطفال كلهم يرتجفون، كيف لك أن تصمد هكذا؟
لم يكن محمد متفائلاً، كان جسده ينازع الخوف والرعب، ولكنه عاهد أمه قبل السفر أن يكون قويا وثابتا ولايخاف شيئا، كان يريد أن لايظهر خوفه الذي يقطع أوصاله ويجعله يريد البكاء بصوت عال كطفل صغير، كم يتمنى لو ينام الآن تحت أقدام أمه التي لم تكن تريده أن يخرج من بلده كي لا يذل في بلاد الغربة، ما تزال كلماتها ترن في أذنه(لك أمي والله بلدنا مع كل الحرب اللي فيها بتضل بلدك، وبتضل أحسن من هالزل برا…خلينا نموت هون احسن،)
كان يتلفت،يمينا ويسارا دون انتباه أحد، وبدأ الموج يعلو أكثر فأكثر، وبدأ الماء يتسلل بغضب إلى القارب الصغير، كان البكاء يعلو والصرخات تزداد والنداءات لا تسمع إلا هذا البحر الذي لا يرحم قلوبهم الصغيرة، كان هناك طفلان مع أمهما يبكيان بذعر والأم رغم خوفها تحاول تهدئتهم(بس يا أمي، هلق حنوصل، ورح ننام ونرتاح، لاتخافوا اقروا قرآن يلله . قل هو الله أحد…)كان محمد يقرأ معهم بصوت منخفض كان يريد أن يصدق كلام هذه الأم، ويتساءل هل سنصل، ونرتاح،؟
دقائق طويلة بين موت بطيء وآخر يأتي ليريح من ينتظر، مر الوقت وكأنه لايمر، وكأن الزمن في حالة جمود وسكينة وكل شيء في الكون ينتظر أن يهدأ هذا الهدير الذي يصم الأذان.
بدأ الصراخ يسكت، بعض الأنات التي همهمت لأخر مرة، قبل أن تذوي داخل هذا الأزرق الكبير!!
محمد كان ينظر لبكاء الطفلة التي تعلقت هي وإخوتها بستر النجاة التي غرق أصحابها دون أن يلبسوها، كان الأربعة يتمتمون ويبكون، ومحمد يقول بصوت مرتعش، لاتخافوا سيأتون لإنقاذنا، يلله غنوا غنية (يا سوريا لاتبكي…رح احكي واحكي واحكي…).
بدأت قواهم تخور وقاربت أجسادهم على الإستسلام، ولكنهم كانوا يغنون
لاح الفجر في الأفق، وتلك الأجساد الصغيرة، تسلل إليها بعض الدفء،
كان محمد ما زال يغني، كان يشعر بموته يتسلل بصمت، حين سمعوا صافرة باخرة تقترب، من بعيد…!!
المركز الصحفي السوري ـ زهرة محمد