منذ إعلان انهيار وقف النار في #سوريا وربما قبله، تزايدت التقارير عن تعزيزات عسكرية روسية إلى سوريا، فيما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية أمس أن خيار ضربات أميركية محدودة ضد نظام الرئيس#بشار_الأسد عاد إلى التداول بين الوكالات الامنية الاميركية، فهل تتجه الدولتان الى مواجهة في سوريا بعد انقطاع التواصل بينهما؟ وما هي السيناريوات المحتملة بعد انهيار وقف النار وتعطل لغة الحوار؟
مع تجميد الحوار الاميركي-الروسي خصوصاً بسبب فشل وقف النار الاخير والقصف الكثيف على مدينة #حلب شمال سوريا، يبدو أن خيار ضربات أميركية الجوية المحدودة ضد النظام السوري عاد الى التداول في واشنطن، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن حظوظ المضي به صارت أكبر من قبل.
فقد أعلنت وزارة الخارجية الاميركية الثلثاء أن واشنطن تدرس الخيارات “الديبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية والاقتصادية” المتاحة للتعامل مع الازمة في سوريا، مع تأكيدها على ضرورة التوصل الى “حل سياسي”.
وبعد ذلك، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية أن مسؤولين أمنيين أميركيين، بينهم ممثلون لوزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إي” وهيئة الأركان المشتركة يناقشون في البيت الأبيض اليوم “تنفيذ ضربات عسكرية محدودة ضد نظام” الأسد من أجل إجباره على تغيير نهجه في منطقة حلب والدخول في مفاوضات سلام جادة طويلة الأمد.
أما الخيارات قيد البحث والتي لا تزال سرية، فتشمل “غارات على مدارج القوات الجوية السورية باستخدام صواريخ كروز وغيرها من الأسلحة البعيدة المدى”، تطلق من طائرات وسفن قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
الواضح أن ثمة زيادة في الدعم لخيار الضربة العسكرية المحدودة، مع تأكيد الصحيفة أن أن “السي آي إيه” وهيئة الأركان المشتركة أيدتا ذلك، بحجة أن سقوط حلب من شأنه أن يقوض الأهداف الأميركية لمكافحة الإرهاب في سوريا.
ومع ذلك، لا تزال الشكوك قائمة في شأن إمكان موافقة البيت الابيض على عملية عسكرية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين آخرين في الإدارة أن أوباما ليس مستعداً لإرسال قوة عسكرية إلى داخل سوريا، وأن كلاً من الخيارات العسكرية المقترحة ينطوي على تبعات سلبية.
تعليق القنوات الثنائية
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت الإثنين أنها تعلق الاتصالات الثنائية مع روسيا في ما يتعلق باتفاق وقف النار الذي أمكن التوصل إليه الشهر الماضي. ومن المتوقع أن تستدعي الولايات المتحدة من جنيف جميع العسكريين الذين كانوا ينتظرون منذ أسابيع بدء مشروع جديد من التعاون العسكري والاستخباراتي مع الروس يرافق اتفاق وقف النار إذا صمد.
وكان مفترضاً أن يعلن تجميد الحوار الجمعة الماضي، إلا أن وزير الخارجية جون كيري طلب إرجاء ذلك بعدما تحدث هاتفياً مع نظيره الروسي سيرغي للعمل على تمديد اتفاق وقف النار. إلا أن فشله ترك الإدارة الأميركية من دون طريق واضح للمضي قدماً.
تعزيزات روسية
وبموازاة الحديث الاميركي عن خيارات عسكرية، أعلنت روسيا اليوم انها ارسلت سفينتين حربيتين للانضمام الى قواتها في المتوسط .وياتي ذلك غداة اعلانها نشر انظمة دفاع جوي من نوع اس-300 في طرطوس بشمال غرب سوريا حيث تملك منشآت بحرية عسكرية.
والسفينتان “زيليوني دول” و”سيربوكوف” عادتا الى المتوسط بعد انتشار سابق قبالة ساحل سوريا قامتا خلاله باطلاق صواريخ على اهداف في هذا البلد في 19 آب.
خبراء
وليس واضحاً ما اذا كان القرار الروسي ارسال صواريخ “أس 300” أو السفينتين مرتبط بالخيارات العسكرية قيد التداول في واشنطن، الا أن المواجهة العسكرية بين واشنطن وموسكو في سوريا، كما التدخل العسكري الاميركي مستبعد برأي خبراء.
ويقول المحلل العسكري ألكسندر بيريندزييف من كلية الاقتصاد في موسكو لموقع “روسيا وراء العناوين” إن احتمال حصول مواجهة بين الجانبين والرغبة في تجنبه كانا دائماً في صلب المحادثات بين كيري ولافروف في شأن سوريا، “ولكن في ظل الخطوة الأخيرة التي اتخذتها واشنطن” صارت المواجهة ممكنة. وتنقل عنه وكالة “نوفوستي” الروسية: “لقد حصل ذلك بطريقة غير مباشرة. الاميركيون قصفوا وحدات من الجيش السوري حيث كان مستشارون روس موجودين. والجانب الروسي قصف إرهابيين كان بينهم أميركيون”، في إشارة الى غارة روسية على قاعدة أميركية-بريطانية في سوريا بحزيران الماضي.
ومع ذلك، يرى فلاديمير سوتنيكوف من معهد الدراسات الشرقية في موسكو إن سيناريو المواجهة العسكرية بين واشنطن وموسكو في سوريا لا مستبعد، لافتاً إلى أن الجيش الاميركي ترك قنوات التواصل مفتوحة لتجنب النزاع بين مقاتلات البلدين، على رغم تجميده التعاون مع روسيا، ما يعتبر مؤشراً أن واشنطن تحاول تجنب أي مواجهة عسكرية مع موسكو.
ومن جهته، يبدو الزميل غير المقيم في برنامج آسيا وأوراسيا في مركز “تشاتهام هاوس” نيكولاي كوزانوف أكثر حسماً حيال أي تدخل عسكري أميركي في سوريا. ويقول لـ”النهار”: “لا اعتقد أن هذا الأمر محتمل في ظل الرئيس أوباما”، و “لا أعتقد أن هيلاري كلينتون أيضاً تستطيع القيام بذلك”.
وفي كل الحالات، لا يتوقع كوزانوف تغييرات كبيرة في سوريا بعد تجميد الاتصالات بين الروس والاميركيين، معتبراً أن نشر صواريخ “أس 300” هو مجرد إشارة من روسيا الى أنها تبقي الوضع تحت السيطرة، ومؤكداً أنه لن تحصل أي خطوات جذرية من الجانب الاميركي الى حين انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة.
ولا يعترض كوزانوف على القول إن ما يحصل حالياً هو “تهويل متبادل”، معتبراً أن كلا الجانبين عاقل بما يكفي للتراجع عن خطر المواجهة المفتوحة في سوريا.
الخطة “ب”
ولكن في موازاة إصرار كوزانوف على عدم توقع تغييرات كبيرة في سوريا مع استبعاد واسع للتدخل الاميركي المباشر في سوريا، ثمة من يتوقع إحياء الخطة “ب” التي سبق لوزير الخارجية جون كيري أن تحدث عنها، كبديل لعملية السلام المتعثرة.
وتقضي هذه الخطة نظرياً بتعزيز القوات المناهضة للأسد و”داعش” بالسلاح والعتاد.
ويقول الباحث في مركز تحاليل نزاعات الشرق الأوسط ألكسندر شوملين إن هذه المهمة تقع على عاتق تركيا ودول الخليج بموافقة واشنطن. ويلفت الى أنه بموجب هذه الخطة، ستحصل “جبهة فتح الشام” أيضاً على السلاح. وبكلام آخر، يقول إنه سيتم حشد كل القوى المعارضة للأسد، وهو ما سيؤدي الى زيادة الاقتتال والضحايا، وخصوصاً أن حلفاء الاسد، وخصوصاً روسيا، لن يتراجعوا.
وبموجب هذا السيناريو، يقول الباحث في مركز الدراسات السياسية والعسكرية في موسكو ميخائيل فلاديميروف إن واشنطن ستحاول إسقاط نظام الاسد بالقوة، باستخدام مقاتلات على نسق العملية التي نفذتها في ليبيا عام 2011 لاطاحة الزعيم الليبي معمر #القذافي. وفي هذه الحال، قد تصير المواجهة مع سلاح الجو الروسي محتومة.
وفي سيناريو آخر يشير اليه خبراء روس، يمكن الاسد أخذ المبادرة بعد تحرره من الضغط الروسي حيال وقف النار.
ففي رأي فلاديميروف أنه يمكن أن تلجأ قوات الاسد إلى شن هجوم على حلب بغطاء جوي روسي وإخراج مقاتلي المعارضة منها. وبعد سقوط هذه المدينة المهمة جداً، يضيف الباحث، يمكن القوات السورية أن تبدأ هجوماً على إدلب. الا أنه يلفت الى أن نجاح الاسد يبقى رهناً بموقف الفصائل السنية، فاذا وافق بعضها على عقد اتفاقات معه، قد يبدأ انحسار النزاع، وإلا تدخل سوريا عقوداً من الحرب.
موناليزا فريحة_النهار