حلّ فصل الشتاء ضيفا ثقيلا بأمطاره الغزيرة التي تدفقت في جميع أنحاء سوريا والبلاد المجاورة، فأغرقت معها خيام اللاجئين داخل سوريا وفي مخيمات عرسال بلبنان ليبقوا في العراء في أول قدوم لها منذرة بحدوث كوارث إنسانية في ظل ضعف الإمكانيات على إيجاد حلول بديلة.
ويشكل برد الشتاء معاناة جديدة تضاف لقوائم أخرى خلفتها الحرب، فيسعون لتأمين وسائل للتدفئة بتكلفة أقل وبديلة عن المازوت الذي وصل سعر اللتر النظامي منه ل400 ليرة في المناطق المحررة، ومع كل بداية فصل شتاء يتوجه الأهالي الذين لا يملكون مدافئ قديمة لشراء واحدة جديدة، إلا أن سعرها فاق إمكانياتهم فسعر أصغر قياس منها وصل إلى 15 ألف ليرة، فاضطر البعض للبحث عن وسائل بديلة تغنيهم عن مدافئ السوق.
أم حامد من ريف ادلب تحدثنا عن تجربتها:” استشهد زوجي بعد أن قصف النظام منزلنا، وأصبنا أنا وأطفالي ببعض الجروح، فتهشم أثاث المنزل ولم يعد فيه شيء صالح للاستعمال، فاضطررنا لاستئجار منزل آخر، والبحث عن أثاث مستعمل كونه أرخص ثمنا “.
وتضيف أم حامد:” أعيش وعائلتي على ماتتبرع لنا به بعض المنظمات الإنسانية وأهل الخير، ومع قدوم فصل الشتاء، احترت كيف سأشتري مدفئة، فقمت بفتح تنكة الزيت الفارغة، وصنعت لها قاعدة تحتها، ونضع فيها حطب البيرين كونه أقل دخانا من الحطب العادي، لنشعر بالدفء، ورغم أنني أعلم أن هذه الطريقة ضارة بأطفالي إلا أنه ما باليد حيلة وأفضل من البرد”.
ولجأ كثير من سكان المناطق المحررة لاستعمال الغاز بقصد التدفئة، رغم ارتفاع ثمن الأسطوانة إلا أنه أقل تكلفة من المازوت وحتى الحطب، وتجار الأزمة كعادتهم يستغلون حاجة الأهالي، فما لبثوا أن رفعوا سعر الأسطوانة من 6200 إلى 8500 ليرة ليعودوا ويبحثوا عن وسائل أخرى كالحطب والبيرين أو نشارة الخشب وغيرها لردع برد الشتاء.
ولعل السوريين في المناطق المحررة والذين يقطنون بيوتا أفضل حالا وبألف نعمة مقارنة بالنازحين واللاجئين في المخيمات الحدودية، فهل خيام من النايلون تستطيع أن ترد المياه المتجمعة من الأمطار، فقد غرقت جميعها وأغرقت معها أثاثهم البسيط والمأوى الوحيد الذي قدمه لهم المجتمع العربي والدولي، واستقبل اللاجئون البرد في مخيم الركبان الحدودي في الأردن بوفاة طفلين من شدة البرد ونقص في المعدات الطبية والغذائية والتدفئة، فأكل البرد أجسادهم النحيلة، وتم توثيق حالة وفاة أخرى لطفل في مخيم عزاز في الشمال السوري أيضا بسبب البرد وانعدام وسائل التدفئة.
معاناة ليست وليدة اليوم، ومع دخول فصل الشتاء بأمطاره وثلوجه المرتقبة، يقف المجتمع الدولي متفرجا ومستمتعا بصور خيام السوريين وهي تهترئ وتغرق، فهم لايريدون وقودا للتدفئة ولا بيوتا بدل تلك الخيام للسكن، يريدون فقط أن ينهوا هذه الحرب التي أشعلوها ليعودوا لبيوتهم ويعيشون بكرامة بعيدا عن ذل خيامهم.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد