رغم الاعتراضات وشبهة عدم الدستورية، فإن الحكومة الألمانية، مصرة على السماح لمكتب شؤون المهاجرين واللاجئين بالإطلاع على الهواتف المحمولة المملوكة لطالبي اللجوء، من أجل التعرف على هوياتهم الحقيقية.
وفي هذا الإطار، تعتزم الحكومة الفيدرالية الألمانية سن قانون جديد يهدف إلى “تسهيل تطبيق القوانين المتعلقة بمغادرة البلاد”، يتضمن السماح للسلطات بالاطلاع على هواتف اللاجئين.
وانتقد هذا التوجه على نطاق واسع من قبل العديد من المواطنين الألمانيين الذين اعتبروه مخالفاً لمبادئ وقوانين الدستور الألماني، حسب تقرير لصحيفة “زيت” الألمانية.
بينما تبدو الحكومة الألمانية مصممة على تمرير القانون المثير للجدل، في ظل وجود نحو 213 ألف لاجئ، يعيشون في ألمانيا ومن المنتظر أن يرتفع عددهم خلال عام 2017.
وتواجه عمليات ترحيل طالبي اللجوء، عادة، العديد من الصعوبات، نظراً لأن غالبية هؤلاء قد قدموا إلى ألمانيا دون جواز سفر يثبت هويتهم أو جنسيتهم. كما أن البعض منهم يحملون هويات مزيفة ومتباينة.
والجدير بالذكر، أن منفذ هجوم برلين الشاب التونسي، أنيس العامري، كان واحداً من طالبي اللجوء.
ومن بين النقاط التي يتضمنها القانون المقترح، استعمال الهواتف الشخصية التي يحملها اللاجئون، بهدف التعرف على هوياتهم. فهل هذا ممكن قانونياً؟ وما هي الفوائد المنتظرة من هذه الفكرة؟ وما هي المشاكل التي قد يواجهها هذا القانون؟ .
بموافقة اللاجئ
في الوقت الحالي، يوجد في ألمانيا قانون يتيح للسلطات، المعنية بالتعامل مع شؤون الأجانب على غرار إدارة شؤون الأجانب التي تقوم بإصدار الجوازات وتصاريح الإقامة، الاطلاع على محتويات الهواتف الجوالة وبقية الأجهزة الإلكترونية الشخصية لطالبي اللجوء، ولكن شريطة الحصول على إذن قضائي.
وينص هذا القانون على أن المكتب الفيدرالي لشؤون الهجرة واللجوء، الذي يتمتع بصلاحيات التدقيق في طلبات اللجوء التي يتقدم بها اللاجئون، لا يمكنه الاطلاع على محتويات الهواتف الشخصية إلا بموافقة اللاجئ.
خلافاً لذلك، تطمع الحكومة الألمانية لتغيير هذا المبدأ في التعامل مع الهواتف الشخصية للاجئين، من خلال مقترح القانون المشار إليه الذي تقدمت به وزارة الشؤون الداخلية الألمانية واطلعت عليه صحيفة “تسايت”.
وبمقتضى هذا المقترح، سيكون بإمكان موظفي إدارة شؤون الهجرة واللاجئين التثبت من الهويات عن طريق تحليل بيانات الهواتف الجوالة، بعد الحصول على تصريح من السلطات المختصة، وليس من اللاجئ صاحب الهاتف.
وعموماً، تشير التقديرات الحكومية إلى أن مشروع القانون سيكون قابلاً للتطبيق على حوالي 50 أو 60 بالمائة من حالات اللجوء التي وصلت إلى ألمانيا في سنة 2016، أي ما لا يقل عن 150 ألف شخص.
وستجهز مكاتب إدارة الهجرة واللجوء بحواسيب وٱلات مسح رقمي متطورة قادرة على قراءة عدد كبير من البيانات المعقدة الموجودة في الأجهزة الشخصية.
ومن المرجح أن هذه العملية ستكلف حوالي 3.2 مليون يورو، بالإضافة إلى ما يربو عن 300 ألف يورو سنوياً، ثمن ترخيص استعمال برمجية الحاسوب.
ولكن تبقى التكلفة الحقيقية لهذا المشروع غير واضحة، نظراً لأن المسودة التي قدمتها وزارة الداخلية غامضة بشأن النواحي المالية، فضلاً عن أنها لم تقدم معطيات واضحة حول الموارد البشرية والمالية اللازمة.
غير دستوري
قوبل مشروع القانون بمعارضة داخل البلاد، فقد اعتبر خبير القانون الجنائي، نيكولاس غازياس من كولونيا أن “هذه التغييرات المقترحة لا تتماشى بتاتاً مع ما ينص عليه الدستور الألماني.
ورأى أنه سيتم انتهاك حق الأشخاص في حماية خصوصيتهم وسرية معلوماتهم الشخصية، عند إقدام الموظفين على الاطلاع على محتويات الهواتف الجوالة للاجئين”.
وأشار غازياس إلى أن المحكمة الدستورية الفيدرالية الألمانية أقرت هذا الحق الأساسي، منذ سنة 1984″.
وأردف غازياس “يمكن للسلطات أن تعرف الأماكن التي تواجد فيها ذلك الشخص ومع من جلس وتحدث من خلال اطلاعها على محتويات هاتفه الجوال وتحليل البيانات الموجودة فيه، بالإضافة إلى التدقيق في الرسائل القصيرة والدردشة على الإنترنت ومعطيات نظام تحديد المواقع “جي بي أس”، والصور ومقاطع الفيديو والمعلومات الشخصية التي يدونها كل يوم”.
في الحقيقة، قد تتضمن كل هذه المعطيات معلومات حساسة وشخصية للغاية، وفي حال قام موظفو إدارة الهجرة واللاجئين بوضع يدهم عليها والاطلاع على محتواها، فإن ذلك يعد انتهاكاً خطيراً لخصوصية الأفراد، حسب غازياس.
وقامت المحكمة الدستورية سابقاً بوضع قيود صارمة على مثل هذه الممارسات، وقد ضمن الدستور الألماني أيضاً حماية الأفراد من مثل هذه التجاوزات كحق أساسي للجميع.
وفي هذا السياق، قال غازياس أنه من الضروري أن يتعلق الأمر بجريمة كبرى أو خطر داهم مثل التخطيط لعملية قتل أو شن هجوم إرهابي حتى يكون هذا الأمر مبرراً.
وأردف قائلاً “والأهم من ذلك كله، أن القضاة وحدهم مخولون باتخاذ مثل هذا القرار، وحتى لو كانت هناك شكوك قوية لدى السلطات والأجهزة الحكومية الأخرى، فإنه لا يسمح لها بالاطلاع على هذه البيانات”.
ومن هذا المنطلق، اعتبر غازياس أن القرار الذي تم اتخاذه في سنة 2015، والذي سمح لإدارة شؤون الأجانب في وزارة الداخلية بالاطلاع على محتوى هواتف الأجانب للتثبت من هويتهم، كان أيضاً مخالفاً للدستور.
ومن وجهة نظر قانونية، فإن هذا الأمر لا يمكن أن يكون مبرراً إلا إذا كانت هناك شكوك جدية في أن اللاجئ قد قدم معلومات خاطئة أو أنه متورط في جريمة. ولكن المشكلة الأساسية أن هذا الاستثناء غير وارد في مقترح القانون الذي تقدمت به وزارة الداخلية الألمانية، حسب غازياس.
من يساند هذا المقترح؟
يبدو أن هناك اتفاقاً بين حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تقوده المستشارة أنجيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي حول هذا المقترح، على الرغم من أنه لا يزال في طور الصياغة، ورغم عدم وضوح، بعض التفاصيل المتعلقة بالقانون على غرار الصيغة التي سيصدر فيها، وماهية المعلومات الخاصة باللاجئين التي يمكن الاحتفاظ بها والمدة الزمنية.
وحسب ما ورد على لسان المتحدث باسم وزارة الداخلية الألمانية، فإن الحكومة الفيدرالية تريد الاستفادة بهذه المعلومات الشخصية فقط عند الضرورة وفي حالات فردية، وعياً منها بأن هذا الأمر يمثل تدخلاً في خصوصية الأفراد وحياتهم الشخصية.
وفي أروقة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، يحظى المقترح بالقبول، حيث صرح نائب رئيس الحزب، ستيفان هاربرث، “بكل بساطة نريد أن نعرف هوية من يدخل بلدنا ويقيم هنا، كما أن إدارة شؤون المهاجرين واللاجئين ليست مهتمة بالمحادثات الشخصية والحميمية التي يقوم بها طالب اللجوء بل بالمعلومات التي من شأنها أن تفيدها”.
وفي الوقت نفسه، أورد المتحدث باسم كتلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان، بوركارد ليشكا، “إذا رفض اللاجئون الإفصاح عن هوياتهم الحقيقية، أو كان هناك سبب وجيه للاشتباه في تزييفهم لهويتهم، فإن الاطلاع على المعلومات الموجودة في هواتفهم يجب أن يكون خياراً متاحاً من أجل التثبت منهم”.
خلافاً لذلك، فإن العامل الحاسم في إقرار هذا القانون يتمثل في الحاجة الملحة للتعرف على جنسيات طالبي اللجوء، الذين يتعمدون إخفاء الحقيقة في هذا الصدد.
هل الأمر سهل كما يبدو؟
في المقابل، تنتقد المعارضة الألمانية هذا المقترح، حيث قالت المتحدثة باسم حزب الخضر، كونستانتين فونوتس، أنه “من خلال مقترح الولوج إلى الهواتف الشخصية لطالبي اللجوء، فإن الحكومة الفيدرالية تتجرأ مرة أخرى على المساس بالدستور”.
كما دعت المعارضة، أولا يلبكي، إلى “أن يكون هناك على الأقل تصريح قضائي قبل الاطلاع على المعلومات الموجودة على الهواتف الشخصية للاجئين”.
وقالت إنه يمكن أن يهرب اللاجئون من هذه العملية وبكل سهولة، وذلك من خلال عدم اصطحابهم لهواتفهم الشخصية عند حضور الجلسات في إدارة شؤون الهجرة واللاجئين.
ومن المرجح أن هذا القانون الجديد سيتم إقراره، خلافاً لما حدث لقانون آخر مثير للجدل يوسع قائمة الدول التي تعتبر آمنة ويمكن إعادة اللاجئين القادمين منها.
ولن يتمكن حزب الخضر والأحزاب اليسارية من عرقلة قانون المشهور بقانون الهواتف نظراً لأن المجلس التشريعي الفيدرالي، الممثل للولايات الست عشرة في ألمانيا، لا يتفق مع المعارضة هذه المرة.
هل من السهل اتخاذ القرارات بناء على الهواتف الشخصية؟
تشير مسودة القانون إلى أن “الهدف الأساسي له يتمثل في الحصول على معلومات الموقع الجغرافي للاجئ، بالإضافة إلى التأكد من المعلومات التي أفاد بها طالب اللجوء خلال التحدث معه”.
وسيوظف مكتب شؤون المهاجرين واللاجئين هذه المعلومات الموجودة في الهواتف الشخصية بهدف إنشاء قاعدة بيانات لكل طالبي اللجوء. وهذا ما يثير القلق لأن مثل هذه العمليات كانت تقوم بها فقط الأجهزة الأمنية المخولة لذلك.
وترفض الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية الألمانية الكشف عن الطرق التي تستعملها لاختراق الهواتف الشخصية وتحليل البيانات الموجودة عليها.
وفي مطلع شهر شباط/فبراير 2017، كشفت إحدى المجلات الألمانية عن قيام محققين ألمان بكسر شفرات هواتف تمت مصادرتها من أجانب.
وقد تبين أن شركة “سيلابريت” الإسرائيلية للتجسس والتكنولوجيا تلعب دوراً رئيسياً في عملية اطلاع السلطات الألمانية على معطيات اللاجئين. وأفاد التقرير ذاته حينها بأن عملية تحليل البيانات الرقمية معقدة جداً وصعبة.
ويرى المحامي، غازياس، المختص في القانون الجنائي، والذي دأب على التعامل مع القضايا التي تتضمن تحليل بيانات الهواتف الجوالة، أن هذا القانون سيترتب عليه الكثير من المشاكل لإدارة شؤون المهاجرين واللاجئين.
وأوضح أن “تحليل المعلومات الموجودة على الهاتف الجوال هي مسألة معقدة وحساسة وتستغرق وقتاً طويلاً، بحسب طبيعة هذه المعلومات وكميتها واللغة التي كتبت بها، وقد يستغرق الأمر أسابيع أو أشهر”. وبالتالي، ستحتاج السلطات لتوظيف مئات الموظفين الجدد للقيام بهذا الأمر.
وقال قد تواجه هذه الإدارة في النهاية معضلة كبيرة نتيجة لتراكم المعلومات وعجزها عن تحليلها وفهمها. وعلى ضوء هذه المعطيات، سيبقى هذا القانون الجديد حبراً على ورق دون أي فائدة تذكر، حسب قوله
المصدر:هافينغتون بوست عربي