إذا ما كانت التكنولوجيا تساهم في اندثار بعض الألعاب والنشاطات الطفولية التي كانت تسيطر على عقولهم في المنزل أو المدرسة أو طرقات حاراتهم سابقاً، فإن الحرب السورية كبتت نفسية الأطفال في اللعب تماماً، حتى وإن لعبوا ظهرت صورة المشاهد الحربية جلية بألعابهم.
جراح نفسية لا تندمل داخل كل طفل خلفتها الحرب، كالقلق والخوف والكوابيس ، فضلاً عن عدم التركيز والصدمات، وأهمها عدم الرضا عن الذات، وصعوبة التكيف مع المجتمع المحيط، المصاب بتغيير جذري غير ثابت.
ً قبل الأزمة كثيرا ما كان يجلس الطفل هو وإخوته وأحياناً والديه، ليلعبوا في الشطرنج أو اللعبة الورقية ” المفتش والحرامي “، وذكر النكت المضحكة، بينما الآن تحولت معظم ألعابهم لأعمال جعلتهم أكبر سناً من عمرهم الفعلي خلال الأزمة.
أحمد طفل يبلغ من العمر14يقول:” بعد سقوط صاروخ على منزلنا واستشهاد أبي، أصبحت على غرار الألعاب القديمة أدرب إخوتي كيفية الحماية والإسعاف الأولي إذا ما غدرنا صاروخ الموت من طائرات بشار”.
ليس المنزل هو ساحة اللعب الوحيدة للأطفال، إنما التسلي مع أطفال الحارة تحت منازلهم، هو منفذ آخر لهم، وأشهر الألعاب المتداولة بينهم في الشارع، قبل الثورة ” الدحل ( الكلال)، بدريس بالحصى الصغيرة، الصياح ( الغازول)، صف الحجارة ورميها ( القاموع)”، لكن لم يبق شارع على حاله ولا هيئة للعب بقيت كما هي، حينما غطى الدمار معظم الطرقات خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وإذا العين رأت تجمعاً للأطفال، فهم يلاحقون بعضهم بالأسلحة المزيفة على أنهم جيش نظام والآخر حر، هنا وهناك أطفال يشيعون بعضهم بوصفهم شهداء، وما يفوق المليونين ونصف طفل يتيمي الأب بحسب اليونيسيف، وبالتالي هم مشروع عمل لإعالة أسرتهم.
لوحات حائط، رقصات شعبية، مبارزات شعرية ضمن حفلات السمر، ألعاب ذكاء، كلها نشاطات مارسها في الماضي أطفال سوريا داخل مدارسهم، تقوي شعورهم بالعيش في مرحلة الطفولة لأطول مدة، بينما أصبحت حالياً مدارس المناطق المحررة في مهب الريح، بعد توثيق أكثر من ثلث أطفال سوريا محرومين من الدراسة بفعل آلة الدمار التي جعلت ما يزيد عن 4 آلاف مدرسة مهجورة لأسباب عدة.
دلع طفلة في الخامسة عشر من عمرها تقول:” لم أعد أجد المتعة في التعلم، أحس بأن ما يجري حولي سرق أحلى أمنياتي، لذلك تخليت عن مدرستي، وبت أتقن التدبير المنزلي بمحاولة للقيام بدور أمي الشهيدة، بدلاً من إسراف المال بلا جدوى”.
ذكريات الجيل ما قبل ثورة الحرية، قلبت نفسيات الأطفال لأسوء حال، ضمن مجتمع يعيشون فيه الآن بأكبر خسارة لمرحلة الطفولة البريئة التي ينبغي أن يقضوا أجمل أوقات حياتهم فيها، فيبرز الطفل الخاسر الأصغر لعنف الكبار المتحكمين بمسار الألاعيب السياسية في سوريا لصالحهم أجمع، ولو كلف ذلك أرواح الشعب السوري كله.
المركز الصحفي السوري ـ محار الحسن