شهدت الفترة الأخيرة محاولات أميركية – روسية لاستقطاب الأكراد في سورية كل لأسبابها، بعدما تحولوا إلى قوة عسكرية لا يستهان بها، وبيضة القبان القادرة على التأثير في الشمال السوري، مع بلوغ عديد “وحدات الحماية الشعبية” نحو 24 ألف مقاتل، وعديد “وحدات الدفاع النسائية” إلى نحو 20 ألف مقاتلة، ومن شأن هذه الأرقام مع جودة التكتيك والقتال أن تغري كثيراً من الأطراف لعقد تحالفات مع المكون الكردي.
خلال الأعوام الثلاثة الأولى للأزمة السورية، لم تعر الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً بالأكراد خشية إغضاب العرب والأتراك، لكن منذ نحو عامين ومع تنامي وتماسك الكتلة الكردية، بدأت واشنطن تعيد النظر في علاقتها بأكراد سورية، وجاءت معركة عين العرب (كوباني) في 27 أيلول (سبتمبر) 2014 لتنقل هذه العلاقة إلى مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق الرفيعي المستوى، ولتتحول الوحدات الكردية المسلحة إلى حليف للولايات المتحدة يمكن الوثوق به.
وتوصلت الإدارة الأميركية في الآونة الأخيرة إلى قناعة بأن الأكراد هم القوة المعتدلة المطلوبة، فلا هم في وارد محاربة النظام لتلاقي مصالحهم الآنية، ولا هم في وارد الدخول في صراع مسلح واسع مع الفصائل السورية، هدفهم الرئيسي محاربة “داعش” وتأمين مرتكزات الحكم الذاتي، وهما مطلبان يصبان في خدمة واشنطن.
بالنسبة الى الولايات المتحدة يشكل الأكراد قوة يمكنها أن تحد من قوة الفصائل الإسلامية ذات التوجهات السلفية والجهادية مثل “جبهة النصرة” وأحرار الشام” وغيرهما في المراحل المقبلة، وورقة يمكن اللعب بها لمواجهة الطموحات المنفعلة لتركيا في سورية.
وفي محاولة لتوسيع حدود القوة الكردية من دون إثارة الأتراك والعرب، عمدت واشنطن إلى دعم تشكيل تحالف عربي – كردي تحت عنوان “قوات سورية الديموقراطية”، هدفه محاربة “داعش” ومحاولة إقامة منطقة شبه آمنة في الشمال السوري تكون بديلاً من المنطقة الآمنة التي طالبت بها تركيا وتخضع لسيطرتها وسيطرة حلفائها، كالفصائل التركمانية وبعض فصائل “الجيش الحر” وحركة “أحرار الشام”.
وتسعى واشنطن بهذا الحلف إلى ربط الأكراد بالعشائر وبعض القوى العربية، بحيث يكون تحالفاً عابراً للإثنيات ويحمل أجندة علمانية مع ضمانات أميركية باستمرار تزويدهم السلاح اللازم، وضمانات سياسية بأن المصالح الكردية في سورية لن تمس.
وجاءت الخطوة الأميركية هذه بعيد التدخل العسكري الروسي في سورية، والضربات الجوية الروسية ضد القوى السورية المدعومة من الولايات المتحدة، ولذلك تحتاج واشنطن إلى إبقاء الأكراد بعيداً من الاستغلال الروسي، بعدما ظهرت إشارات من موسكو للتقرب من الأكراد، عبّر عنها الرئيس فلاديمير بوتين حين قال إن الأكراد إلى جانب الجيش السوري هم القوة الرئيسة التي تقاتل المسلحين.
ويشكل طلب موسكو من حزب “الاتحاد الديموقراطي” فتح ممثلية لأكراد سورية في روسيا خطوة مهمة على صعيد منح الكيان الكردي الوليد شرعية سياسية في محاولة لمنافسة واشنطن على المكون الكردي في سورية.
يريد الروس إيصال رسالة سياسية للأكراد مفادها بأن مصالحهم القومية في سورية مرتبطة بالنظام السوري وليس بالولايات المتحدة التي ترتبط بهم ضمن مصلحة آنية، فموسكو لم تقدم على خطوة التمثيل السياسي من دون تفاهم مسبق مع دمشق.
الهدف الروسي يتطابق مع الهدف الأميركي في التقرب من أكراد سورية، وهو تحويلهم إلى جيش منظم يعوض التدخل البري الأميركي والروسي في سورية، فالأكراد مع بقايا جيش النظام يشكلون قوة برية منظمة كافية مع الدعم الخارجي المتمثل بـ “حزب الله” وإيران.
واستضاف معهد البحوث الإستراتيجية في موسكو قبل أيام أعمال مؤتمر دولي تحت عنوان “مستقبل تشكيل تحالف دولي لمكافحة “داعش”، ويبدو من هذا المؤتمر أن القيادة الروسية عازمة على توسيع دائرة القوى المحلية السورية المشاركة في هذا التحالف، لا سيما الأكراد.
وتحتاج دمشق وموسكو في هذه المرحلة إلى الأكراد مع بدء معارك حلب، حيث يشكل الأكراد قوة مهمة في الشمال الغربي لريف حلب، ومن شأن مشاركتهم في الحرب إلى جانب النظام أن يمنح الأخير قوة لا يستهان بها.
لكن الخلاف الأميركي – الروسي يكمن في أن الولايات المتحدة تتلاقى مع الأكراد على محاربة “داعش” ومحاولة السيطرة على الرقة، ولكن لا توجد اهتمامات أميركية الآن بمحاربة الفصائل المدعومة من حلفائها الإقليميين كـ “جبهة النصرة” و “أحرار الشام”، في حين تبدو موسكو مهتمة أكثر بالفصائل المعادية للنظام السوري، لاسيما في إدلب وحلب.
الحياة