ينظر الجميع للتحالف الروسي – الإيراني في قلب الشرق الأوسط أنه في قمته اليوم منذ فترة, وإن بدا هذا التحالف متماسكاً في العديد من القضايا وخصوصاً في الإصرار على التمسك في مفرزات ونتائج المكاسب الكبيرة التي جنتها الدولتان خلال الست سنوات الأخيرة في سورية بالتحديد, إلاّ أن العديد من المحللين يجمعون اليوم على حقيقة هشاشة هذا التحالف إلى حد كبير.
على أرض الواقع بلغ التحالف الروسي – الإيراني ذروته في المعركة الحاسمة في مدينة “حلب الشرقية” والتي شاركت فيها كل من الأطراف الثلاثة “روسيا وإيران ونظام الأسد” وانتهت بإخراج قوات المعارضة من قلب مدينة حلب بشكل نهائي, وساهمت هذه الخطوة في إعادة إنقاذ النظام السوري وتسويقه من جديد عن طريق القوة العسكرية.
ولو دققنا النظر أكثر لوجدنا أن القاذفات الروسية قد استخدمت القواعد الجوية الإيرانية في قصف مواقع لقوات المعارضة في خطوة كانت الأولى من نوعها, وبنفس الوقت تواردت العديد من الأنباء عن نية موسكو مساعدة إيران في إعادة تأهيل قوتها العسكرية من جديد والتي باتت تعاني مؤخراً العديد من المشاكل في مقدمتها “الترسانة العسكرية المتهالكة” عن طريق عقد صفقات عديدة لتزويد طهران بأسلحة حديثة ومتطورة, وهذا يعيدنا إلى الطرح الأول الذي ذكرناه, وهو أي الفرضيتين هي الأكثر دقة, هل هذه الشراكة بين موسكو وطهران مؤقتة على أساس المصالح المتقاربة بشكل مرحلي؟, أم أنه تنسيق قوي في ظاهره ويعاني الهشاشة في حقيقته نتيجة التأثير الأمريكي المحتمل؟
قد يبدو البت في هذا السؤال بشكل أحادي بعيداً عن المنطق, فرغم كل المؤشرات والمعطيات المتوفرة لدينا لن نستطيع الإجابة, ولكن لو أخذنا بعين الاعتبار ما صرح به رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الجديد “دونالد ترامب” عن رغبته في إقامة شراكة مع روسيا التي هي الدولة الأقوى, هذه الشراكة ستجعل روسيا تغلّب مصالح شراكتها الجديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية على حساب شراكتها القديمة مع إيران ولكن بدرجات مضبوطة, حفاظاً منها “موسكو” على مصلحتها البعيدة بإجراء توازنات تأخذ بعين الاعتبار عداء إدارة ترامب للدور الإيراني المتصاعد في المنطقة, والتي تريد الولايات المتحدة الأمريكية تحجميه في المستقبل كما بدا ظاهراً في بعض المواقف حتى الآن على الأقل.
تقتضي المصلحة الإيرانية دعم “نظام الأسد” حتى النهاية, وهذا ما جاء على لسان العديد من المسؤولين الإيرانيين منذ البداية, فزوال النظام السوري سينهي الاحلام الإيرانية بمد قوس مشروعها الطائفي من طهران عبر بغداد, فدمشق وانتهاءً بالضاحية الجنوبية في بيروت, وهذا السبب الذي دفع إيران لبذل كل إمكانياتها المادية والسياسية والعسكرية للدفاع عن النظام ورأسه في دمشق, في حين تنظر روسيا لمسالة بقاء الأسد والنظام السوري نظرة مختلفة نوعاً ما, فالنظام السوري ليس شريكاً قوياً مؤثراً على القرار الروسي, ولا يستطيع التشويش على الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط, بل على العكس تماماً فهو المحمي عن طريق الوساطة الروسية, لذلك تحاول موسكو اللعب على ورقة إعادة إنتاج النظام الحالي بعيداً عن صور الأشخاص بما يضمن المصلحة الروسية بالحفاظ على تواجدها الكبير على السواحل السورية في المتوسط, وإن بدت موسكو متمسكة حتى الآن بتجنب الحديث عن مصير “الأسد في أي عملية سياسية مرتقبة تدّعي موسكو رعايتها, هذه النقطة التي قد تجعل الشراكة الروسية – الإيرانية تقف عند مفترق طرق يعيد الحسابات عند كل من الطرفين.
وهنا تبرز أيضاً مسألة العقوبات الأمريكية الجديدة والتي من المرجح أن تستمر على إيران, ومدى جدية الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والذي يسعى من جانبه لعدم إغضاب “ترامب” والذهاب أبعد من ذلك في صدام إرادات مع الولايات المتحدة الأمريكية لن تكون في صالح دولته, وبنفس الوقت هو لن يضحي تماما بشراكة وثيقة مع إيران أثبتت نجاحها في سورية, وقد تتكرر في مناطق إقليمية أخرى, وإن وجد “بوتين” عرضاً مغرياَ جديدا بالشراكة مع “ترامب” وخصوصاً في التنسيق بينهما للقيام بحرب واسعة ضد ما يسمونه “الإرهاب” في الشرق الاوسط.
ولكن يبقى الشيء الأكثر وضوحاَ حتى الآن:
رغم أن إيران تبدو للجميع أنها الممسك الفعلي بزمام الأمور في سورية ومنطقة الشرق الأوسط عبر دعم ميليشياتها الموالية لها هنا وهناك, تبدو روسيا هي التي تحرك أدق التفاصيل عن طريق تمسكها بخيط اللعبة الحقيقية.
المركز الصحفي السوري – حازم حلبي