أطفال معيلون لأسرهم، ظاهرة باتت منتشرة في سوريا أثناء الحرب، هم مشردون و جائعون في الشوارع بينما ينعم بقية الأطفال في العالم بالرفاهية بأطعمة وألعاب متنوعة، إذ تجد وراء كل بيت أو خيمة قصص جديدة وأليمة.
“عمر” طفل سوري يعيش ويلات الحرب منذ نعومة أظفاره في مدينة حلب، بوجه أغبر وثياب رثة وحذاء ممزق يكبر قدميه بثلاثة مقاسات يخرج في الصباح الباكر إلى الشوارع والحدائق باحثاً عن لقمة يسد بها جوعه و جوع إخوته، فيجد ضالته قرب أحد المطاعم في زاوية قريبة منه ينظر من بعيد لعل أحدهم يترك شيئاً ليأخذه.
في حي المشهد الذي تسيطر عليه المعارضة و الذي تستهدفه قوات النظام بالقصف اليومي، ترك عمر دراسته ليبيع علب المحارم بعد أن توفي والده، فإما أن يجد من يشتري منه وإما يتوجه كعادته للحديقة المجاورة أو أطراف المطاعم المتبقية من الحي المدمر لعله يجد لإخوته الجائعين الذين ينتظرون عودته بعضاً من بقايا الطعام، في زمن الحرب الذي عجز الرجال فيه عن تأمين لقمة العيش.
لم يطلب عمر من أحد أن يعطيه طعاما كان يبدو عفيف النفس، إلى أن أتي عبد الرحمن الذي يعمل “ناشطا” لدى إحدى المواقع الصحفية ويسأله عن أهله، كان سؤالا عاديا لكن الطفل أجهش بالبكاء فبدأ يسرد قصته، كان عمر ذو العشرة أعوام معيلا لثلاثة أخوة وأم عاجزة، كان “قناص” النظام قد استهدفها في معبر الموت لتصبح عاجزة عن الحركة.
130 ألف عائلة سورية بقيت بدون معيل وفقا لإحصائيات 2014 لمركز دراسات الجمهورية الديمقراطية، بسبب فقدها معيلها إما بالموت أو الهجرة ، ما اضطر الكثير منهم لترك منازلهم باحثين عن أماكن أكثر أمنا و أقل تكلفة كالمخيمات، بينما بقي البعض الآخر يعيش تحت القصف بأماكن لا تليق بإنسانيتهم بسبب صعوبة التنقل أو عدم توفر المال ليجدوا بيتاً آخرا في مناطق آمنة.
رافق عبد الرحمن عمر لمنزله، بعد ساعة من المشي وصلا إلى غرفة باردة تحت درج أحد الأبنية حيث تجلس أمه المقعدة وأخواه الصغيران يلعبان ببعض الألعاب التي أكلت أيضا نصيبها من الحرب، كان قد جمعها من القمامة والأبنية المدمرة.
افترش عمر كرتونة في الأرض و أخرج كيسا فيه بقايا طعام وخبز يابس فرح بها إخوته الصغار كان يبدو و كأنه والدهم، لم يأكل سوى بعض اللقيمات خوفا من أن لا يشبع أخويه وأمه ، هذه حاله منذ سنة ونيف، قبل أن يتوجه لعمله الصباحي كان عمر يجمع بعض الأوراق والثياب الممزقة ويضعها في إناء معدني”تنكة الزيت” ليحصل وأسرته على بعض الدفء أيضاً.
كان يشعر بالسعادة حينما يرى أخويه ينعمان ببقايا طعام الآخرين وألعاب مكسرة، بالرغم من الفقر والرعب اللذين يعانون منهما باستمرار، فهم لم يطلبوا المزيد كباقي أطفال العالم، لم يستطع عبد الرحمن وى مساعدته لفترة مؤقتة فهو ليس أفضل حالا منه، لديه أسرة كبيرة يعيلها.
أطفال لكنهم أبطال تحملوا أعباء الرجال، لا أحد يشعر بهم، ليس في الأحياء المحاصرة من قبل النظام فحسب بل تجد الجائعين أيضا في الأحياء الموالية، سياسة التجويع التي يتبعها النظام السوري لتركيعه وإخناعه.
المركز الصحفي السوري – سلوى عبد الرحمن