ألقت الحرب بظلالها على تفاصيل الحياة اليومية في سوريا، ونال الأطفال الحصة الأكبر من الحرب المستمرة، إذ تولدت عنها مشكلات اجتماعية ونفسية، ربما تتوقف الحرب، ولا تفارق الآثار السلبية أطفال سوريا.
يعيش أكثر من 60 ألف طفل ضمن مناطق من مدينة حمص وريفها المحاصر ظروفاً صعبة ، خلف الحصار غياب معظم المؤسسات التعليمية والطبية والترفيهية، فضلاً عن حالة اقتصادية سيئة.
يحتاج الطفل الطبيعي كماً من الاهتمام والدعم النفسي والجسدي والرعاية الصحية لينمو بشكل أفضل، فكيف هو الحال مع أطفال استيقظوا على رائحة الحرب والدمار، وعاشوا الحصار بتفاصيله المؤلمة، وعدد منهم فقد أحد والديه.
انصبّ جهد المنظمات الدولية والمحلية على تأمين الاحتياجات الأساسية للمدنين في ريف حمص المحاصر، وفي كثير من الأحيان لم تفلح، لمنع النظام السوري دخول قوافل المساعدات، ولكن لم يتسنّ للمنظمات الدولية والجهات الداعمة والأفراد ذوي الخبرة، إعطاء الوقت والجهد الكافي لتقديم برامج تخدم أولئك الأطفال وتلبي احتياجاتهم.
بدأت آثار الحرب تظهر على فئة واسعة من الأطفال، في ظل غياب جليّ لأيٍ من برامج الدعم الصحي أو النفسي أو وجود كادر مؤهل للتعامل معها والتخفيف من مضاعفاتها، وهذا ما أكد عليه محمد سليمان، أخصائي في علم الاجتماع، لـ “الصوت السوري” قائلاً: “إن الحرب وما فيها من الأوضاع المعيشية للسكان وغياب التوعية وانشغال أغلب الأهل بالاقتتال ومشاهد السلاح، كل هذا تسبب بتدمير المؤسستين المعنيتين في تعليم الطفل وتربيته وهما الأسرة والمدرسة”.
اللعب و الدراسة من حق كل طفل، وحسب المعايير الدولية فهما ضمن قائمة حقوق الإنسان، ولكن اليوم لم تتح الحرب لأطفال مدينه حمص وقتاً أو مكاناً لممارستهما، وغياب حقوق الطفل ولذد ظواهر تكاد تكون أخطر ما تخلفه الحرب، فامتهن الكثير من الأطفال التسول في الطرقات، وسجلت حالات لبعض الأطفال سلكوا طريقاً أكثر خطورة وهي الجريمة!!.
وكان المخفر الثوري لمناطق حمص المحاصرة، ألقى القبض على مجموعة من الأطفال متورطين في تهمة السرقة، وهي ليست المرة الأولى التي توجه لهم مثل هذه التهم.
ومن المخاطر التي تواجه الأطفال حسب الأخصائي محمد سليمان هو التجنيد، قال في حديثه لـ “الصوت السوري” ” التجنيد كان أخطر ما تعرض له الأطفال، فكثير منهم اختاروا الدخول إلى ساحات القتال طوعاً بسبب ثأر لأحد أفراد العائلة، أو لربما نصرة للأفكار التي فرضها عليهم الجو المحيط، ولا بد من أخذ بعين الاعتبار سلوك هذا الطريق لكسب بعض المال لتأمين متطلبات حياتهم”.
دُمرت 80 % من المدارس في ريف حمص، وخرج من بقي منها عن الخدمة لأسباب أخرى، ولكن بعد خروج ريف حمص عن سيطرة النظام، أجمع أهلها على ضرورة إنشاء مؤسسة تعليمية بالإمكانيات المتاحة، ولكن ما تم إنشاؤه لم يغط نسبة 1% مما تقدمه المدارس للأطفال في الحالات الطبيعية، وفق ما ذكر الأستاذ شاهر العبيد، أخصائي تربية، ومشارك في العملية التعليمية بريف حمص.
وأضاف العبيد “اقتصر التعليم على بعض مهارات الرياضيات والعلوم، واختيرت أماكن التعليم في أقبية المنازل، أو مداجن الطيور، أو بقايا مساكن بعيدة، تجنباً لاحتمالية قصفها من طائرات النظام”.
اصطدم الكادر التعليمي في ريف حمص بجملة من التحديات، أهمها أغلب العقول في حمص قُتلت أو هاجرت خارج البلاد، فضلاً عن نقص الموارد، ووسائل التعليم، وغياب الرواتب للمعلمين، ما دفع من تبقى من المعلمين إلى العمل في مجالات أخرى.
الدعم النفسي للأطفال :
اقتصرت مشاريع الدعم الفني والترفيهية للطفل في مدينة حمص وريفها خلال سنوات الحصار على بعض الأنشطة والحفلات لساعات قليلة، وحسب مها أيوب، مديرة مكتب رعاية الطفل والأمومة وذوي الاحتياجات الخاصة في الرستن، فإن الحرب من جهة وغياب مشاريع دعم الأطفال من جهة أخرى انعكس على سلوك الأطفال، كالخوف والعزلة والتبول اللاإرادي”.
افتتح في ريف حمص الشمالي مركز “حماية الطفل” للدعم النفسي، السبت، وهو المبادرة الأولى من نوعها في المنطقة، وحسب قتيبة سعد الدين، المدير الإداري للمشروع “يستهدف المشروع عموم مدن ريف حمص الشمالي، سيتم تغطيتها خلال 9 شهور، وتكون أعمار الأطفال من 6 إلى 18 عاماً، مقسمين حسب فئاتهم العمرية المتقاربة إلى أربعة مراحل”.
يتألف المشروع من قمسين، الأول هو مركز صديق للطفل، وهو الأساسي ويستهدف 1800 طفل خلال ستة شهور، وتكون المواصلات مؤمنة من المركز لضمان أكبر قدر من الحماية للطفل، أما القسم الثاني هو عبارة عن فرق جوالة تجوب أغلب قرى المنطقة، وتقدم أنشطة في مكان تواجدهم وفق خطط مدروسة مسبقاً.
ويضيف قتيبة “أن مشروعنا هذا خطوة وقائية وليس مرحلة علاجية، ولا تمد للعلاج النفسي بصلة، ولكننا نحاول إبعاد الطفل عن أجواء الحرب وتعويضه جزءاً بسيطاً مما افتقده خلال السنوات الفائتة”.
شرح مروان ضحيك، من الفريق التقني لمركز صديق الطفل، لـ “الصوت السوري” عن كيفية تقسيم المركز والدور الذي يؤديه كل قسم على حده، فعلى سبيل المثال، هناك غرفة اللعب وهي لتقييم الطفل وسلوكياته من خلال اختياره للعبة معينة أو طريقة أدائه لهذه اللعبة، وغرفة أخرى للرياضة التي تساعد الطفل على تنشيط وتمرين عضلاته التي تؤثر عليها إفرازات وضع التوتر والخوف سلباً، ويوجد هناك أيضاً غرفة الإبداع وهي تنمي مهارات الطفل بالرسم والتلوين.
وتستهدف غرفة الدعم النفسي جميع الأطفال، من خلال الحديث معهم والتعبير عن أنفسهم عبر حوار مفتوح بين الطفل والمنشط المسؤول عنه وذلك لتشخيص حالته النفسية ومتابعتها على قدر المستطاع.
وتقول مريم، واحدة من أعضاء المركز، أنهم “يبحثون عن خطط مستقبلية لمتابعة حالة الأطفال وتقديم الدعم الأكبر لهم، فهم بحاجة لمركز فنون، و آخر للعلوم لمتابعة مواهب الأطفال التي يتميزون بها “.
الأطفال… إعاقات دائمة:
من المألوف أن ترى في شوارع ريف حمص أطفالاً مبتوري الأطراف، أو يعانون من إعاقات دائمة، وكان لتلك الإصابات أثراً كبيراً على أوضاعهم الاجتماعية والنفسية والتعليمية؟
حسب إحصائيات تقريبة حصل عليها مراسل “الصوت السوري” من مصادر محلية في ريف حمص “يوجد في حي الوعر وريف حمص المشالي أكثر من 800 طفل يعانون من بتر أحد أطرافهم، نتيجة تعرضهم لإصابات بشظايا القصف، تتركز أغلب الحالات في مدينتي الرستن وتلبيسة”.
وحسب مها أيوب، مديرة مكتب رعاية الطفل والأمومة وذوي الاحتياجات الخاصة في الرستن شمال حمص، فإن أغلب ذوي الإعاقة المسجلين لديها هم من الأطفال، ويعجز المكتب عن تقديم الخدمات اللازمة لهم، سوى من بعض السلل الغذائية ومواد التنظيف وبعض الأجهزة الحركية التي لا تكفي الجميع”، فيما يفتقد المصابون لجانب الدعم النفسي للتغلب على آثار إصاباتهم الدائمة.
أم ماهر،أمّ تعرض ابنها لبترٍ في ساقه اليسرى، ولم يتجاوز 13 من العمر، نتيجة برميل متفجرألقاه الطيران السوري ، اضطرت والدته إخراجه إلى مناطق النظام، بعد عجز الأطباء في منطقتها المحاصرة، عن تقديم الرعاية الصحية، قالت أم ماهر لمراسل “الصوت السوري” “لا خيار أمامي سوى الذهاب إلى المستشفيات في مناطق سيطرة النظام، وأدّعي أن ابني تعرض لحادث سير حتى يتم منحي موافقة أمنية للخروج وعلاجه”.
وعن صعوبة إصدار مثل هذه الموافقات تحدث بافل بيشكيش، المنسق للصليب الدولي في سوريا، لـ “الصوت السوري” أنه من الصعب جداً الحصول على موافقة أمنية من النظام ويعملون في بعض المناطق بالتنسيق مع الهلال العربي السوري لإخراج بعض الحالات المستعجلة من معابر خاصة.
أوضح تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، أن نحو 3.7 مليون طفل، أي طفل من بين ثلاثة في سورية، ولدوا منذ بدء النزاع في آذار/مارس 2011، لم يعرفوا إلا العنف والخوف والنزوح.
ومما تجدر الإشارة إليه أن “الدعم النفسي” و برامج الأطفال من أهم المشاريع، وأكثرها ضرورة، لعلاج الآثار السلبية التي خلفتها الحرب على الأطفال، وللوقاية مما يتعرضون له، وإن كان غياب مثل تلك المشاريع لا تبدو آثاره في الوقت الراهن، فإن آثارها قادمة لا محالة، مما دفع جهات محلية ودولية إلى المطالبة بالاهتمام بالطفولة ومشاريعها الداعمة.
أمية برس – الصوت السوري