تترك حرب النظام وحلفائه في “إدلب” المشتعلة حالياً آثارها السيئة على نفوس الأطفال، تلك الحرب الشرسة جريمة في حق الإنسانية جمعاء وتزداد بشاعتها مع تواطؤ مجتمعات تدعي أنها رمز الإنسانية والحقوق البشرية، وعندما يتأذى منها الأطفال الأبرياء وتطاردهم آثارها طيلة حياتهم فذاك جرم آخر.
لعل الكبار يستطيعون تحمل الصدمات ومعاناتها ويتأقلمون مع واقع الحزن المفروض منذ سنين طوال، لكن الأطفال على عكس ذلك، فما يصاحب الحروب من أهوال ونكبات كفيل بزعزعة نفس الطفل وأمنه مدى الحياة.
تكشف لنا “أم هالة” حديثة النزوح إلى إدلب المدينة لدى السؤال عن سبب النزوح المفاجئ عن قلقها إيذاء ما يحدث في خان شيخون والمجازر التي ارتكبت بالأسلحة الأشد فتكاً بالأرواح بحق عزل المدينة دون رحمة أو شفقة أو وجود اعتبارات لتلك الأسلحة المحرمة دوليا قائلةً “الخوف الذي ظهر على شكل الأرق وانتاب طفلتي الصغيرة جراء مشاهدة أجساد الأطفال التي تصارع الحياة بأنفاس متعبة وأخرى فارقت الحياة بعد استنشاق الغازات السامة التي تفوق قوتها قوة أجسادهم الغضة، فظاعة المنظر منعها من النوم فذاكرة الأطفال تكون خصبة ولا تستوعب حجم الحقائق كما وأن الفتيات ينعزلن بصمتهن ووحدتهن.. آه إلى أين بوسعي أن أرحل بها وأنا دون زوج ولا أستطيع مفارقة الوطن وزوجي خلف قضبان سجن صيدنايا وخاصة أن أوضاع السجن سيئة لدرجة لا يمكن تخيلها.. الله ايكون معك يا أبو فادي”.
لم تكن جارتها “أم فاطمة” أوفر حظاً فهي تخبرنا بحزن عميق قائلة “لقد اختنق أخي وزوجته متأثرين بالغازات السامة التي ملأت أجواء المكان ما ألجم ابنتهما الناجية عن الكلام، فامتنعت حتى عن الطعام وسيطرت عليها الكآبة والحزن.. ذاك وجع لا يزول”.
لا ننسى خطر الاضطرابات النفسية التي ترافق الأطفال بعد كارثة عنف القصف التي حلت بهم في “خان شيخون” تصرّح هاجر وهي إحدى الممرضات التي تسعى دوماً لتقديم الإسعافات الأولية للمرضى” كنت أعالج طفلاً في العاشرة من العمر من ارتفاع شديد في حرارة الجسم ورجفة في الأطراف ولدى فحصي للفم شاهدت التهاباً بالغاً باللوزتين وهو يدمدم بصوت منخفض مع دموع تنهمر من عينيه الصغيرتين.. “بدي أخي يا لله ليش أخذ بس أختي معه.. بدي روح على السماء ما بحسن عيش من دونهن”.
سيتعافى الطفل بعد تناوله الدواء لكن اضطرابه النفسي سيقلل من عمل جهازه المناعي وسيغدو ضعيفاً لا يقاوم المرض.
إضافة لهذا الأمر ظهر في إدلب السلوك الاجتماعي السلبي كالامتناع عن الذهاب للمدرسة والعمل وحتى زيارة الأقارب يقول أبو عمر” لقد تغير السلوك الاجتماعي لأبنائي الذكور فقد رفضوا الخروج للعمل، أو حتى مرافقتي لزيارة الجدة والاطمئنان عليها وتأمين متطلباتها، رغم حرصهم الشديد، وتنافسهم على ذلك لشدة محبتهم لها.. فالحزن يجلب الحزن، والخوف يحفر بعيداً”
لكن إذا تعاظم خوف الطفل بحيث يصبح خوفه إعاقةً في ممارسة الحياة الطبيعية، ينبغي على الأهل وإن غابوا.. فعلى المقربين منهم من باقي أسرهم المشورة الطبية.
وطبعاً للأهل دور رغم ألمهم الشديد في تخفيف آثار الصدمة النفسية وكيفية التعامل مع الأطفال في ظل تلك الحملة الشرسة تفوق أهمية دور العلاج الطبي وذلك ببث الاطمئنان في نفوسهم ومساندتهم معنوياً والتسويف بأن هناك مستقبل مشرق بانتظارهم وأن تلك الغيمة السوداء لا بد أن تزول.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد