العميد الركن أحمد رحال
مصائب قوم عند قوم فوائد” هذا ماحدث عندما أضرب حوالي (63) من مخيمات النازحين السوريين على الحدود مع تركيا والتي تأوي داخلها حوالي (137) ألف نازح سوري شردتهم ميليشيات (الأسد) وحلفاؤه. الحالة المأساوية والمزرية التي يعيشها إخواننا النازحون, وفي خيام لا تستر من شمس ولا تحفظ من مطر ولا تقِ برداً, زاد عليها غضب الطبيعة لتعمق لوعتهم وبؤسهم عبر عاصفة ثلجية (هدى, زينة), ألمت بالمنطقة وزادت من سوء أوضاعهم, هذا الواقع اللامطاق الذي يعيشه من شردهم نظام (الأسد) الفاجر, يضاف إليه, تهميش وعدم اكتراث من قبل من صنعوا من أنفسهم (حكومة مؤقتة), واجبها حسب بنود تشكيلها (النظرية), هو تأمين احتياجاتهم ومقومات بقائهم وصمودهم, فليس من المعقول أن تكون رواتب (230) موظفاً في الحكومة المؤقتة خلال الربع الأول من عام (2014) تزيد عما صُرف على ستة ملايين نازح خلال نفس المدة الزمنية, وهذا ما ورد في أرقام ميزانية الحكومة والتي تم نشرها في وقت سابق. وتبدأ القصة: الإضراب عن الطعام الذي أعلنته مخيمات النازحين على الحدود التركية وامتد من أقصى الشمال السوري في مخيمات نازحي الساحل إلى أقصى الشرق والشمال في مخيمات إدلب وحلب, وأدى الإضراب عن الطعام في أيامه الثلاث الأولى إلى موت رجلين مسنين مع ثلاثة أطفال ووصول حالة (15) شخصاً منهم لوضع صحي حرج, استدعى من القائمين على الأمر إلى تعليق الإضراب عن الطعام والاكتفاء بحركة احتجاجات شعبية متواصلة. طلبات المحتجين كانت من أبسط ما يمكن, تجلت بأمورٍ معيشية, كاستبدال الخيام البالية وتأمين وسائل التدفئة والخبز والطحين بشكل دائم ودون انقطاع, إضافة إلى توفير المستلزمات الصحية والاهتمام بالشؤون التعليمية وتشكيل لجنة (تخاف الله) لتشرف على المخيمات يكون نصف أعضاؤها أكاديميون من سكان المخيمات, والواضح أن كل تلك الطلبات محقة وتعكس الحقوق المغيبة لأهلنا في المخيمات ولا تزيد عن مقومات العيش والبقاء. بعد أسبوع من بدء الإضراب وتحت ضغط الإعلام, تم التواصل من قبل الحكومة المؤقتة ورئيس الائتلاف مع ممثلي المخيمات التي أعلنت الإضراب وتقرر أن يعقد اجتماع في مدينة الريحانية, ويحضر هذا الاجتماع ممثلو الإضراب مقابل حضور كلاً من الدكتور خالد خوجة (رئيس الائتلاف) والدكتور أحمد طعمة (رئيس الحكومة المؤقتة) والسيدة سهير الأتاسي (الرئيسة الفخرية لوحدة تنسيق الدعم), لكن قبل ساعات أُلغي الاجتماع وبمنتهى اللامسؤولية طلبوا من المحتجين القدوم إلى عنتاب بدلاً من الريحانية للتفاوض مع (الترويكا المعارضة) فرفض المحتجون, وتلك نقطة تحسب على هؤلاء المسؤولين, فالمفترض بهؤلاء أن يكونوا خدماً لشعوبهم لا أسياد, وهذا الاستدعاء يدل على تعالٍ واستكبار له دلالاته, ومصلحة النازحين يفترض أن تكون جل اهتمامهم. بعد رفض ممثلو الاحتجاج السفر لعنتاب, وصل مساءً رئيس الائتلاف إلى الريحانية وعقد اجتماعاً مع ممثلي الإضراب دام لمدة ساعتين ونصف, كانت نتيجته وبصريح العبارة وعلى لسان رئيس الائتلاف (لا أملك أي قرش أقدمه لكم وسأتكلم مع رئيس الحكومة عسى أن يقدم لكم شيئاً) وانفض الاجتماع دون أي فائدة تذكر. في نفس الليلة وبوقت متأخر ليلاً, يُصدر المكتب الإعلامي للائتلاف بياناً يقول فيه: تم الاجتماع مع ممثلي المخيمات التي أعلنت الإضراب وتم الاتفاق على حل مشاكلهم, ليرد عليه الإعلامي (محمد النعيمي) المتحدث الرسمي باسم إضراب المخيمات ويكذب الخبر. طبعاً لم يكن هناك أي تعاطي من قبل الحكومة على ما طرحه المحتجين والمضربين عن الطعام, اللهم إلا من قرار صدر عن رئيس الحكومة بصرف مبلغ (15) ألف دولار كتعويض نهاية خدمة لكل وزير من أعضاء الحكومة السابقة (تراجع مؤخراً عن تنفيذ القرار تحت ضغط الفضيحة). وزاد عليه باب (شحادة) دولية عندما خرج رئيس الحكومة المؤقتة مع رئيسة وحدة تنسيق الدعم ليعقدا مؤتمراً صحفياً للتسول, من خلال توظيف الإضراب للضغط على المجتمع الدولي والإقليمي, باستغلالٍ بشعٍ لمأساة هؤلاء المضربين والمحتجين, في وقت كان يفترض بالحكومة المؤقتة ووحدة تنسيق الدعم ومن منطلق الإحساس بالمسؤولية ولتحفيز المجتمع الدولي على الالتزام بواجباته اتجاه الشعب السوري, أن يعلنوا (مثلاً) عن التبرع برواتبهم ولشهر واحد فقط للنازحين كنوع من التضامن مع المشردين على حدود الوطن. عندما وصل رسول كسرى إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه), ووجده نائماً تحت شجرة جاعلاً من حذاءه وسادة وينام في العراء, دون حشم أو خدم, ودون حراسة أو مرافقة, وهو من امتد صيته وملكه حول أصقاع المعمورة, فقال رسول كسرى كلمته التي ما زالت تجلجل حتى الآن: عدلت فأمنت فنمت … لك الله يا شعب سوريا.
العميد الركن أحمد رحال