لقد تسببت الحرب الإسرائيلية المستمرة على لبنان في موجة غير مسبوقة من النزوح، حيث فر مئات الآلاف من اللبنانيين والسوريين عبر الحدود إلى سوريا هربًا من العنف المتصاعد. ويمثل هذا النزوح الجماعي أزمة إنسانية جديدة، حيث أجبر أكثر من نصف مليون شخص، معظمهم من النساء والأطفال، على العبور إلى سوريا في ظل ظروف صعبة للغاية. ويواجه النازحون نقصًا في الضروريات الأساسية ــ مثل الماء والغذاء والمأوى ــ على الحدود ومناطق الاستقبال، مما يكشف عن نقص حاد في الموارد اللازمة لتلبية احتياجات هذه الفئة الضعيفة من السكان.
ولا ينبغي الاستهانة بهذه الأزمة الإنسانية أو التغاضي عنها. فالوضع يتجاوز كثيرًا مجرد حركة لاجئين؛ فقد يتحول إلى كارثة متعددة الأوجه تؤثر على المنطقة بأسرها. وفي حين تكافح القوى العالمية للتوصل إلى اتفاق سلام أو تقديم مساعدات كبيرة، فإن ثمن التقاعس عن العمل يتزايد.
لقد أشار المجلس النرويجي للاجئين إلى أن الوضع في سوريا مأساوي: فالموارد الأساسية غير متوفرة، وأسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل حاد، والمساكن بأسعار معقولة نادرة. وفي هذه البيئة، حتى اللاجئين الأكثر مرونة سوف يكافحون من أجل إعادة بناء حياتهم.
وفي بعض الحالات، يمكن لمجتمعات اللاجئين أن تستفيد من اقتصادات الدول المضيفة من خلال المساهمات في القوى العاملة والطلب على السلع والخدمات. ومع ذلك، فإن هذه الفوائد لا يمكن تحقيقها إلا عندما تكون هناك بنية تحتية وموارد أساسية كافية لدعم السكان الإضافيين. وفي حالة سوريا، حيث استنفدت حتى العناصر الأساسية للخدمات العامة بشكل حاد، فإن تدفق اللاجئين يمثل تحديًا هائلًا بدلًا من فرصة اقتصادية. ولكي تستفيد سوريا من أي فوائد اقتصادية من استضافة اللاجئين، فإن الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية والدعم الإنساني ضرورية.
وتزداد هذه الأزمة داخل الأزمة تعقيدًا بالنظر إلى معاناة سوريا المطولة. فبعد 13 عامًا من الصراع، لا يبدو أنها في وضع يسمح لها بالتعامل مع وصول موجة جديدة من الأسر النازحة. لقد كان وضع اللاجئين السوريين مأساويًا لأكثر من عقد من الزمان، مع استنزاف المساعدات الإنسانية واستنزاف المجتمعات من سنوات من عدم الاستقرار. وتواجه آلاف الأسر التي تعبر الحدود إلى سوريا من لبنان الآن تحديات في ظل غياب أي دعم فوري أو مستدام في الأفق.
وقالت أنجيليتا كاريدا، المديرة الإقليمية للمجلس النرويجي للاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “سوريا تعاني بالفعل بعد 13 عامًا من الصراع. ويأتي النزوح الجماعي من لبنان في وقت لا تستطيع فيه الاستجابة للمساعدات مواكبة الاحتياجات القائمة بالفعل. وسوف تكافح آلاف الأسر التي تعبر الحدود إلى سوريا للعثور على مكان آمن للإقامة أو الأساسيات التي يحتاجها أطفالها. وهذه أزمة ضمن أزمات متعددة”.
إن اللاجئين يحتاجون إلى أكثر من مجرد البقاء على قيد الحياة – فهم يحتاجون إلى الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والحماية، وخاصة الأطفال، الذين غالبا ما يُترَكون عُرضة للخطر. والأطفال الذين يعبرون إلى سوريا بمفردهم أو مع أسرهم معرضون لخطر الصدمة وسوء التغذية والإهمال. وتعتبر الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الماء والغذاء والمأوى ودعم الصحة العقلية، حيوية لبقائهم ورفاهتهم. وتعتبر خدمات الصحة العقلية، وخاصة للأطفال الذين عانوا من أهوال الحرب، بالغة الأهمية لمساعدتهم على التأقلم والتكيف. وفي غياب هذه الضروريات الأساسية، ستستمر الأزمة في التفاقم، مما يؤثر على الأجيال.
وباختصار، تتطلب أزمة اللاجئين الناشئة بين لبنان وسوريا اتخاذ إجراءات فورية ومنسقة من جانب المجتمع الدولي. وبدون تدخل كبير، فإن هذه الأزمة تهدد بزعزعة استقرار المنطقة بأكملها، مما يؤدي إلى معاناة إنسانية لا توصف. إن احتياجات النازحين لا يمكن أن تنتظر، والمجتمع الدولي لديه التزام أخلاقي بمنع هذه الأزمة من الخروج عن نطاق السيطرة.
عن صحيفة dailyobserver بتصرف 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024.