يترقب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعين تشوبها الحذر الحملة الانتخابية المرتقبة من أجل إجراء تعديل شامل لنقل الصلاحيات إلى سلطة رئيس الجمهورية, “من المقرر إجراء الاستفتاء الخاص بصلاحيات الرئيس التركي في 16 نيسان المقبل”, ويسعى الرئيس التركي جاهداً إلى كسب نتيجة هذه الانتخابات لصالحه عن طريق إقناع الشعب التركي بضرورة هذه المسألة ومكاسب تركيا الكبيرة منها على الصعيدين الداخلي والخارجي إن تم ذلك, لذلك يقوم داعموه بحملة دعائية كبيرة حالياً ضمن هذا السياق, ويكثر الرئيس التركي من تصريحاته التي يتوجه بها للشعب التركي, ويرفع من وتيرة زيارات دبلوماسيي بلده إلى كثير من دول العالم.
شهدت السياسة التركية مؤخراً تجاذبات وتناقضات أثّرت على حالتها السابقة التي كانت تعتبر “عقدة” سياسية تربط بين توجهات الشرق والغرب, تقارب واضح من دول الإقليم ووجهة غير خفية نحو الدول العربية والإسلامية لازمت حفاظها على موقعها في حلف شمال الأطلسي “الناتو” الذي يقوم على أساس تحالف القوى الغربية المختلفة مع الولايات المتحدة الأمريكية, ثم وليس أخيراً, علاقات جيوسياسية مع روسيا القوة المتصاعدة والعائدة إلى الواجهة على حساب الأزمة السورية.
تناقض سياسات التوجه التركي الجديد كان نتيجة طبيعية, أو أصداء ملموسة للحالة الداخلية التي يرى فيها العديد من السياسيين الأتراك حالة حرجة قد تهدد الأمن القومي الداخلي للدولة التركية المحكومة من قبل حزب العدالة والتنمية, فاتفاق السلام مع القوى الانفصالية الكردية بات لاغياً, أو بمعنى آخر أصبح في مهب الريح, وبدأت بعض التيارات الكردية الراديكالية المسلحة تستهدف العمق التركي الداخلي بعمليات لم تستطع السلطات التركية إيقافها بشكل كامل حتى الآن, عدا عن التهديدات الأخرى من قوى أخرى كانت نتيجة واضحة للدور التركي اللاعب في سورية, ومن جانب آخر تتزايد دعوات المعارضة التركية المتمثلة بعدد من الأحزاب حول مسألة سعي حزب العدالة والتنمية للسيطرة الكاملة على كل المؤسسات الدستورية في البلاد والتأثير عليها, شكّلت كل هذه العوامل والمستجدات حالة ضغط كبيرة على سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لجأ إلى هذه الحركة التي كان يخطط لها منذ فترة من أجل إعادة التوازن لمشروعه القديم في النهوض بتركيا الحديثة وإعطائها صبغة إسلامية أكثر مع الحفاظ على خط السير “الاتوتوركي”.
الجديد في الأمر هو تحول تركيا إلى رأس حربة قوية لمحاربة “تنظيم الدولة” بعد أن كان التنظيم يسيطر على مساحات كبيرة تمتد على طول الحدود التركية-السورية, بعد أن وجهت حكومات كل من روسيا وإيران وحكومة نظام “الاسد” اتهامات كبيرة للحكومة التركية بتسهيل دخول عناصر التنظيم إلى كل من سورية والعراق من الخارج عبر أراضيها, والآن تركيا تنضم بشكل رسمي للحلف الدولي الغربي بل وتتفق مع روسيا وتنسّق معها في هذه الحرب بالشكل الذي يعبر عن مدى الحرفية التركية في الاستفادة بشكل كامل من التناقضات الهائلة للصراع الدائر في سورية, والمراد وحيد: وهو التوصل والتفاهم مع كل القوى الفاعلة في الملف السوري لعمل تسوية للمسألة الكردية كما تريدها تركيا ويسعى إليها “أردوغان”.
المحاولة التركية الجديدة للاستفادة من التناقضات تمثلت في قيامها بدعم كتائب الثوار وفصائل الجيش السوري الحر “درع الفرات” في حربها مع تنظيم الدولة الإسلامية وذلك بغطاء عسكري تركي, وقد نجحت تركيا أخيراً بالسيطرة على مدينة الباب السورية, وانتزاعها من قبضة التنظيم بعد أن تكبدت تركيا خسائر بأرواح عدد من جنودها في معارك الباب الاخيرة, في الوقت الذي يسعى فيه النظام بدعم من روسيا وإيران للاقتراب من تخوم مركز مدينة الباب, إلاّ ان التقارب الروسي – التركي الأخير يبدو وكأنه قد رسم حدود هذه التناقضات العسكرية على الأرض لفترة وجيزة قد تتغير في أي لحظة.
في المقابل تحاول تركيا قطع الطريق على الاكراد عن طريق إقناع الولايات المتحدة الامريكية الداعمة لقوات سورية الديمقراطية بخطة عسكرية أعدتها أنقرة للتوجه لمدينة الرقة بعد الباب, حيث زار رئيس هيئة الاركان المشتركة للولايات المتحدة “جوزيف دونفورد” تركيا في الآونة الأخيرة واستقبله نظيره التركي “خلوصي آكار” ,حيث اقترح هذا الأخير على الولايات المتحدة الأمريكية خطتي عمل مشتركة يستثني منها المجموعات الكردية, وفق ما أوردته صحيفة “حرييت” التركية, وقد قدمت تركيا للولايات المتحدة الأمريكية خطة عمل عسكرية مكونة من مرحلتين يكون قوامها مقاتلين تابعين للمعارضة السورية مدربين في الداخل التركي مدعومين من قبل دول التحالف.
إذن هناك محاولة تركية حثيثة, وخصوصاً من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لخوض غمار معارك سياسية في الداخل والخارج من اجل إعادة التوازن للحالة التركية الجديدة, خصوصاً وأن حكومة العدالة والتنمية باتت تستشعر كل هذه الاخطار المحيطة, وذلك عن طريق توظيف دقيق للملف السوري يحاكي تغيراته المرحلية ويخرج بنتيجة إيجابية على حساب تناقضات الصراع السوري..
المركز الصحفي السوري-حازم الحلبي.