أورينت نت
أثار كلام مفتي النظام أحمد حسون عاصفة من التساؤلات حول مستقبل مدينة حلب، وخصوصاً أن ” صراحة الإجرام ” بلغت حداً غير متوقعاً وتجاوزت جميع الحدود الأخلاقية لرجل دين حتى وإن كان تابعاً للسلطة، حتى بات ضروريا البحث عن حلول سريعة تنهي معاناة المدينة، بخيارين لاثالث لهما، إما أن يسيطر الثوار على المدينة بشكل كامل، أو أن يفعل النظام ذلك.
والحقيقة أن هذا الطرح قدمه (حسون) ولو بطريقة عرض إجرامية، عندما قال “إن موقف النظام في مدينة حلب، هو “موقف دفاعي ويجب تحويله إلى موقف هجومي”، لتتزامن مع تصريحاته تلك، في زيادة في عدد الطلعات والغارات الجوية على الأحياء المحررة، ولتزداد رقعة الدم توسعاً في المدينة التي أحدث القصف فيها دماراً هو الأقسى “تقريباً” من بين المدن السورية.
مجزرة المعادي وكذلك مجزرة “المدارس” في حيي المشهد والأنصاري، بالتأكيد ليستا “مجزرتان جديدتان” في سجل إجرام الأسد بحق مدينة حلب، لكنهما تسلطان الضوء للبحث عما يريده الأسد في حلب بعد عامين من القصف؟ والأهم أن هاتين المجزرتين تصطفان إلى جانب مجزرة حي(السليمانية) المسيحي، المجزرة الغريبة عن سياق الأحداث ومايجري في حلب.. لتفتح باباً أخر من التأويلات.
ماوراء سقوط الصاروخ على الحي المسيحي
ليس منطقياً أن يعترف ثوار حلب بقصف الأحياء السنية غير المحررة بقذائف الهاون و”جرات الغاز”، وأن ينكرون ذلك في الأحياء المسيحية، لذلك لابد من التأكيد على أن ثوار حلب لايخشون أي إدانة من قبل أي جهة بعد كل التواطىء الدولي في قصف الأسد للأحياء المحررة، ومن هذا المنطق يستطيع أي حلبي سواءً في المناطق المحررة أو غير المحررة معرفة نوعية الصاروخ ولأي جهة يتبع…هذا أولاً، فيما الأمر الثاني هو صمت مسيحيّ حلب على سقوط صاروخ في حي السليمانية الذي أحدث دماراً مرعباً يتعدى قدرة الثوار على إطلاق مثل هذا الصاروخ، فلم يبرز المسيحيون الضجة المناسبة في صفحات التواصل الاجتماعي على الأقل، واقتصر “الضجيج” على تلفزيون الأسد الذي رأى أن الصاروخ الذي سقط في هذا الحي هو صاروخ تركي، في رواية مشابهة لما حدث في إدلب بأن العناصر الذين طردوا النظام جاؤوا بالآلاف من تركيا، وربما أن تلك الرويات عززت قناعة المسيحيين بأن الصاروخ هو من فعل النظام دون غيره، لكنهم حتى الآن يؤمنون بترويج موقفهم المؤيد للأسد والمبرر له حتى عندما يستهدفهم!!
لابد من التنويه، أن توقيت سقوط الصاروخ يأتي مع “احتفاليات عيد الفصح” وبالتحديد في “سبت النور”، مع التحضير لشخصيات دينية ومحلية بارزة للظهور والتعليق على هذه “مجزرة السليمانية”، أهمها أحمد حسون وعبد الستار السيد!
على الأقل فإن مابات مثبتاً سواءً بالتخطيط أو غير ذلك، بأن مجزرة حي المعادي ومجزرة المدارس مرتبطة بـ”مجزرة السليمانية” وهذا وفقاً لكلام “الشخصيات الدينية” وإداناتها لما حصل في السليمانية ثم مطالبتها بإبادة الأحياء المحررة، وبعد ذلك قيام الطيران الحربي برمي صواريخه وحمولاته التفجيرية على المدنيين في ” حلب الشرقية”.
روايات قادمة من حلب تتحدث لأول مرة “بشكوك مفاجئة”، وهي تململ الطبقة الاقتصادية الموالية بما فيها المسيحية، بحسم الأمر، إما بالخروج من حلب كاملةً، أو باستعادة حلب كاملةً، وفي الخيار الثاني استحالة دفعت النظام ببدء استراتيجية تحفيز الثوار على دخول الأحياء الغربية وتسليمها لهم، في مخطط إيراني بدأ تطبيقه، ويقضي بالانسحاب من حلب وإدلب، للبدء في مفاوضات التقسيم، وذلك قبل خسارة كل شيء، سيما أن الهزائم التي تلحق بالنظام وإيران فاضحة، لم يعد بالإمكان الاختباء ورائها.
آراء عسكرية وإعلامية!
يكتفي القائد الأسبق للمجلس العسكري في حلب العقيد (عبد الجبار العكيدي) بالقول أن مجازر النظام في أحياء حلب المختلفة، تأتي على خلفية هزائمه الأخيرة في كل من إدلب ودرعا لتحقيق نصر وهمي يرفع به معنويات شبيحته في حلب، لكن يبدو تعليق العقيد (العكيدي) تقليدياً، سيما أن حملات القصف مستمرة منذ عامين، ولمن يعرف شبيحة حلب الذين يعنيهم النظام دون غيرهم، هم أولئك الذين يمثلون “الطبقة الاقتصادية الموالية” فقط. أي أن النظام لايخاطب أنصاره من الجماهير المؤيدة، بل يقصد الشريحة الاقتصادية الحاكمة في حلب، وهذه الطبقة تستطيع بالتأكيد قراءة الواقع جيداً ولاتنتظر أي جرعة معنويات من الأسد ورجالات دينيه، وحتى لو كان الخطاب موجه لأهالي المناطق التي تخضع لسيطرته، فإن تلك الجماعات البشرية تعيش أبشع ظروف اقتصادية وإنسانية، ولم يعد يعنيها ولاء أي جهة أو انتصار أي طرف…كل ماتريده هو رحيل من هو أسرع للرحيل!
يقول الكاتب الصحفي دريد البيك ” حلب أخيراً في عين الدمار الذي يمنحه النظام المجرم قبل أن يخسر الأرض التي حكمها على مدار الـ52 ماضية، القصف هدفه الدمار وتسليم البلد المحررة لآهلها كما انسحب الإسرائيليون من القنيطرة، فالبلاد التي ترفض الأسد حري بها أن تحرق على دين محتليها، وفتوى حسون كانت جاهزة ، فابن إحدى قرى حلب .. ستفتح حلب كما فتحت قبلها إدلب، لكن حجم الخيانات التي ستقابل الثوار في هذا الجزء من المدينة سيكون كبيراً جداً، بحجم الخونة الذين رباهم النظام لساعة العسرة، لن يكون هناك مناص من تحرير حلب ، حتى لو كان نموذج الدمار الذي أصاب جزئها الثائر معمما على جميع أرجائها، كما أن المدنيين في طرفها الغربي لن يكونوا في مأمن”.
الصحفي عمار البكور عضو الهيئة العامة للثورة السورية يقول أن الأسد لم يعد بمقدوره الانتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم وذلك لأن قواته ترنحت ولم يبقى منها إلا 20% مما كانت عليه قبل الثورة، ويدلل ” البكور” على أن النظام لو كان ينوي الانتقال إلى مرحلة الهجوم لما استعمل بالأساس استراتيجية القصف، سيما أنه صعد حملة القصف الجوي على المدينة منذ بداية 2014 ، ولم يستطع أن يتقدم متر واحد داخل الأحياء الشرقية التي يسيطر عليها الثوار، لكن ماكسبه خلال المدة الماضية هو تهجير مليون ونصف المليون مدني، وتوسيع الدمار في حلب وخصوصا في بنيتها التحتية، وينقل (البكور) نفي جميع الفصائل استهدافها الأحياء المسيحية، لكنه يشير إلى أن النظام ربما يريد تحريك مشاعر الغرب بإبراز أن “الإرهابيين” يقتلون المسيحيين، وربما أنه “يريد جّر الثوار إلى هذه الطريق، ضمن استراتيجية جديدة، تقضي باستخدام المسيحيين كورقة مسلحة تواجه الثوار، أي أن يصل في النهاية لمرحلة تسليح المسيحيين وإبرازهم فيما بعد على أنهم يواجهون “الإرهابيين” وبهذا يحصل على نتيجة مهمة هي استعطاف الشارع الغربي، لكن (بكور) يرى في تلك الاستراتيجية فشلاً ذريعاً إذا ماكان النظام يخطط لها، لأسباب عديدة أن الثوار منذ البداية استثنوا الأحياء المسيحية من أي مواجهة، وأن المسيحيين لم يستطيعوا الوقوف معه عسكرياً، واكتفوا بمناصرته بالرأي، ولو أراد الثوار لدخلوا تلك الأحياء بسهولة، كما يشير (البكور) أن بدء بدء معركة كبيرة مخططة ومنظمة من عدة محاور في وقت واحد لاقتحام منطقة الراموسة واكاديمية الهندسة العسكرية كفيلة بأن تحرر حلب بالكامل.
وجهة نظر “مدنية”
يقول الناشط المدني مصطفى الجرف الذي عايش المدنية طيلة سنوات الثورة تقريباً، أن “سكان حلب بالطبع أناس عزل مغلوب على أمرهم، وقد عانوا ظروفاً قاسية يصعب أن يتخيلها أو يصدقها من لم يعش فيها فعلاً، حلب مدينة مهمة جداً لطرفي الصراع، والأقوياء من الطرفين يتمسكون بحصتهم منها بشكل قوي، ولا أعتقد أن السكان الضعفاء يستطيعون أن يفعلوا شيئاً إزاء ذلك، لذلك يجب على تخفيف الاحتقان الإعلامي بين طرفي المدينة – الغربي والشرقي- وتحييد الأصوات الموتورة، وإظهار التعاطف مع المدنيين أياً كانوا، والتأكيد على وحدة المدينة”.
يضيف (الجرف) ” للأسف يحكم الحروب الرد والرد بالمثل، هذا مبدأ متوحش وغير انساني، لكنه منطق الحروب، ربما من أجل هذا كان يجب التعامل من قبل المعارضة مع مبادرة ديمستورا بجدية أكبر، أعتقد أنه كان من الممكن على الأقل مع هذه المبادرة أن نحصل على ضمانات بعد استعمال البراميل المتفجرة من قبل النظام التي تعتبر السبب الأكبر لوقوع الضحايا بين المدنيين.. أما بالنسبة لتصريحات حسون فهي وسيلة للسخرية ..إنها النسخة الداعشية من الأسد، وحسون بطبيعة الأحوال لايمثل أي قيمة دينية لدى المسلمين في حلب حتى من قبل أشد المؤيدين للأسد”.
يؤكد (الجرف) أنه من أشد المؤيدين لدخول الثوار إلى حلب الغربية ، ولكن باعتقاده أن هذا الأمر يحتاج إلى قرار دولي وإقليمي كبير، لأن من شأن هذه السيطرة أن تغير التوازن الاستراتيجي في ” الصراع السوري” كله… يضيف” حلب مدينة مهمة جداً، وسيطرة الثوار عليها مع سيطرتهم على إدلب، يعني انتقال الغلبة بشكل حاسم لمصلحة الثوار، وبالتالي فرض المعارضة لشروطها في أي عملية تفاوضية قادمة، لكن لا أرى هناك قرار إقليمي بذلك، كما أن الفصائل المقاتلة تشهد دائما تنافساً فيما بينها مما يضعفها أكثر، لذلك من الممكن أن يؤدي هذا إلى دخول جبهة النصرة بقوة على الخط، وعندها يمكن أن نشهد تطورا مغايراً للأحداث”.