كتب الشاعر السوري “علي أحمد سعيد” المعروف بأدونيس مقالا سابقا نشرته الحياة اللندنية: “إذا كان بعضهم يحتجّ بأن المرأة
المسلمة تضع الحجاب، باسم حق الحرية الدينية، فإن هذا الحق محفوظٌ ومحترمٌ ما دام خاصاً، ويُمارَسُ في الإطار الخاص. أمّا إذا
تجاوز ذلك، فإنه ينقلب الى تجاوزٍ ، إضافةً الى الاستهتار بالمبادئ والقوانين العامّة المدنيّة، وبالجهود والتضحيات الكبرى التي قُدّمت مِن أجل تحقيقها”.
بينما ينتظر المثقفون من “أدونيس” بوصفه الشاعر المفكر المرشح سنويا لجائزة “نوبل” للآداب، نظراً لما تحمله كتاباته من
إشارات تحرريّة، ونظرة تطلع لإخراج المجتمعات العربية والاسلامية، إلى مرتبة الدول المدنيّة الديمقراطيّة، ينتظر المثقفون منه
تعليقاً على مقتل “مهسا اميني” ليس لأنها خلعت الحجاب بكليّته، بل لأنها وضعته بطريقة غير لائقة، حسب تعبير السلطات الإيرانيّة.
يبدو أن الإيطاليّة جوزيبينا “ماريا نيكوليني”، رئيسة بلدية جزيرة “لامبيدوزا”، التي رفضت استلام جائزة السلام في ألمانيا إلى
جانب “أدونيس”، معبرة عن استيائها من منح الجائزة للشاعر الذي كان ولايزال ضد ما أسمتها “الثورة” في بلاده، ولا يقف إلى
جانب الشعب المظلوم والمقهور، بل إلى جانب نظامه الديكتاتوري، حسب تعبيرها، كانت على نظرة محقّة من ازدواجية آراء
الشاعر، ليس في ثورات الحريّة فقط إنما في ادعاءاته فيما يخص تحرر المرأة، خاصة أننا في صدد صمته الذي يشرّع للحكومة
الإيرانيّة قتل النساء بداية بمهسا أميني كونه أحد الأبواق التي ما زالت تنادي بالحرّيات الشخصيّة، ولكن للأسف من منظور يخدم الطغاة ليس أكثر.
وكان قد قدّم أدونيس في قصيدته “تحية إلى الثورة الإيرانية” نموذجاً عربياً في غاية المثالية، لتورط الشاعر في موضوع لا
معرفة له فيه، جملةً وتفصيلاً. تاريخاً وحاضراً، فبأفضل الأحوال وصلته بعض أخبار الثورة الإيرانية خلال قيامها ثم نجاحها وإطاحتها
بالشاه، فاحتفى الرجل بهذا الثورة وكتب تحيته هذه. إلاَّ أن أدونيس، كما سيبدو، لم يكتف بتحية ثورة وشعب، بل، وهنا المشكلة، راح يحمّل هذه الثورة كل صبواته، والشعب الإيراني كل أمانيه.
كيفَ أروي لإيرانَ حبي
والذي في زفيري
والذي في شهيقي
تعجزُ عن قولِهِ الكلمات.
–
سأُغنّي لقُمٍّ لكي تتحولَ في صبواتي
نارَ عصفٍ، تطوفُ حولَ الخليج
وأقولُ المدى والنشيج.
كما أخرج الشاعر “العلماني” المدني كلّ نكوصه تجاه طائفته التي أراد دفنها، ليخرج للمجتمع بصفة نخبويّة مثقفة، تناضل من
أجل الحريّة الفردية، والمعتقدات الخاصة بالأفراد، وأضرم النار التي تعصف بالمذهبية السنيّة، في إشارة منه إلى “العراق” الجارة “العدو” والخليج العربي بشكل عام.
المترجم الشاعر النخبوي الذي علق على قضية الحجاب في فرنسا “فتيات صغيرات بعضهن لا تتجاوز الرابعة من عمرها، فهل يمكن أن نقول إنهن يضعن الحجاب بملء الحرية؟ وما تكون حرية طفلة في مثل هذه السن؟”
يترك في صمته بقع دم حمراء، وإشارات استفهام، حول ما حدث ويحدث في طهران، وحول حرّية “مهسا أميني” وأخريات، أم أنّه حرام في إيران وحلال في أوربا وغيرها!
https://www.facebook.com/syrianpresscenter/videos/759196891867664
والذي كان مناصرا للثورة (الخمينيّة) الشعبية في إيران كما وصفها ما يزال صامتاً على الثورة الشعبية العفوية المضادة التي قامت بعد مقتل “أميني”.
عادل الأحمد :