أقام المركز السوري للعلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية في مدينة إسطنبول التركية، ندوة بعنوان ماوراء الأزمة السورية “الأدوار والأجندة”، حيث تمت مناقشة القضية السورية من أبعادها الثلاثة المحلي والإقليمي والدولي بهدف الوصول إلى رسم خطوط عريضة لواقع القضية السورية ومآلاتها المستقبلية على قاعدة النظرة الشمولية.
ففي الجلسة الأولى للندوة والتي تم تخصيصها للحديث عن البعد المحلي، تحدث الدكتور محمد وليد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية عن تبادل المصالح بين نظام الأسد وتنظيم الدولة، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي يحارب التنظيم باعتبار أنه منظمة إرهابية ولكنه يغض الطرف عن المليشيات التي تقاتل إلى جانب قوات الأسد وتقوم بقتل السوريين.
وقال وليد إن المجتمع الدولي يحاول جر المعارضة إلى حل سياسي بالإكراه، من خلال الدعوة إلى مرحلة انتقالية يستمر فيها بشار الأسد، مضيفا أن نظام الأسد لايريد حلا سياسيا فالمرحلة الانتقالية عند وليد المعلم هي الانتقال من حكومة إلى حكومة، وعند الأسد الانتقال من دستور إلى دستور، وعند دي ميستورا يتحقق الانتقال عبر حكم شامل غير طائفي وليس عبر هيئة انتقالية.
ولفت المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية إلى أنه بدلا من إرسال بشار الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية، يدعو لافروف صراحة وكيري مواربة إلى مكافئته وإعطاءه حق الترشح إلى فترة رئاسية ثالثة بعد أن قتل 400 ألف وشرد 10 ملايين من السوريين، منوها إلى أنه لدى المعاضة شعور قوي بأن نظام الأسد يحاول أن يكسب الوقت، ويعمل مع مؤيديه على الحسم العسكري وإعادة الشعب السوري إلى بيت الطاعة.
أما فيما يتعلق بالفصائل العسكرية، فقد ذكر وليد أن فصائل مسلحة كثيرة نشأت خلال مسيرة الثورة اندثر معظمها وبعضها اندمج ليشكل فصائل كبرى، موضحا أن هذه الفصائل تعمل في ظروف عسكرية بالغة الصعوبة، ودون غطاء جوي وأسلحة نوعية، وهي تعاني من غياب وحدة القيادة العسكرية، وارتباط دعمها العسكري واللوجستي بتوجهات الداعمين والظروف السياسية الدولية، كما أنها تشكوا من تعدد جبهات القتال ضد قوات الأسد وتنظيم الدولة والمليشيات الكردية، ومن تناحر فيما بينها كما حدث مؤخرا بالغوطة الشرقية.
كما تطرق المراقب العام إلى موضوع انحياز الطائفة العلوية لنظام بشار الأسد رغم الأعداد الكبيرة التي سقطت من أبنائها دفاعا عنه، مؤكدا في ختام حديثه أن إخوان سورية كانوا ومازالو جزءا أساسيا من المعارضة السورية، حيث شاركوا في مختلف أنشطتها وقد بادروا للعمل تحت مظلة وطنية جامعة اعتقادا منهم أن القضية السورية أكبر من أي جماعة أو فصيل وتتطلب تعاونا مع جميع أبناء سورية.
من جانبه، تحدث الباحث عبد الرحمن السراج في محاضرته عن تعامل الإعلام الغربي مع القضية السورية، لافتا إلى أن هذا الإعلام يحاول إظهار أن الحياة طبيعة في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، أما في المناطق الخارجة عن سيطرته فيصورها على أنها غير مهيأة للحياة بسبب وجود “الجماعات التكفيرية” بحسب ما يروج له.
وذكر السراج أن نظام الأسد ما يزال شرعيا في نظر المجتمع الدولي ومعترفا به من قبل الأمم المتحدة، موضحا أن نظام الأسد استعد للأزمة السورية بشكل جيد، واستطاع أن يحسن قراءة المشهد.
كما أشار السراج في محاضرته إلى خطاب المعارضة والإعلام المعارض وضرورة تطويره بما يتوافق مع المرحلة الحالية، وتحدث أيضا عن القوى العسكرية الموجودة على الأرض ومناطق نفوذها، واستمرار التجنيد في صفوف تنظيم الدولة على الرغم من التحالف الدولي الذي تشكل ضده.
أما في الجلسة الثانية للندوة، فقد تم تخصيصها للحديث عن البعد الإقليمي للقضية السورية، وقال الكاتب والمفكر سعيد الحاج إن الثورات العربية أطاحت بالكثير من التحالفات في المنطقة، وحاولت العديد من الدول وفي مقدمتها إيران مد نفوذها بالقوة.
وأضاف الحاج أنه ظهر بعد انطلاق الثورات بشكل جلي المحور الإيراني السوري العراقي المدعوم من روسيا، كما حدث تقاربا سعوديا تركيا حيث تم التعويل عليه، ولكنه أعطي أكثر من حجمه، بحسب رأيه.
وتطرق الحاج في كلامه إلى الاتفاق الروسي الأمريكي، وتراجع دور بعض الدول الداعمة للثورة السورية كدولة قطر، وتحول تركيا إلى موقف دفاعي بسبب عدة عوامل منها جبهتها الداخلية والتدخل الروسي والمشروع الكردي على حدودها.
وقال الحاج إن هناك أمورا إذا حدثت قد تؤدي إلى إحداث تطور في القضية السورية، وهي قناعة تركيا والسعودية أن الالتزام بالخطوط الأمريكية التي وضعتها بخصوص الشأن السوري سيضر في نهاية المطاف بهما، والتدخل التركي في شمال سورية، بالإضافة إلى حدوث تغيرات دولية أو تغيير في التحالفات الإقليمية.
بدوره، أكد الباحث والمفكر محمد زاهد جول خروج البعد الإقليمي في الوقت الراهن عن القضية السورية، مشيرا إلى أن بعض الدول كان لها دورا بارزا إقليميا في بداية الثورة.
وبين جول أن هناك فجوة فيما يتعلق بالموقف الإقليمي تجاه القضية السورية، مستعرضا مواقف بعض الدول ورؤيتها من الثورة السورية والتبدل الذي طرأ على هذه المواقف بعد مرور أكثر من 5 أعوام على انطلاقها.
ونوه جول إلى أن الموقف الأمريكي لم يتغير من القضية السورية منذ بدايتها، موضحا أن أمريكا كانت سلبية في تعاملها مع الثورة والمعارضة.
ولفت جول إلى الدور الذي تلعبه إسرائيل في القضية السورية، والانسجام الأمريكي الروسي، وبروز الدور الألماني مؤخرا.
وفي الجسلة الثالثة، استعرض المحاضرون البعد الدولي للشأن السوري، حيث طرح البروفسور يزيد الصايغ الباحث في مركز كارينغي للشرق الأوسط، سيناريو افتراضي لانتصار نظام الأسد، مشيرا إلى أن الانتصار يعني إقرار أمريكا بقبول الأسد خلال الفترة الانتقالية والسماح له بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية.
وأوضح الصايغ أنه في حال تحقق هذا الانتصار فإن نظام الأسد سيواجه مشكلات اقتصادية واجتماعية لن يكون بمقدوره أن يجد لها حلا، كما أن إدارة سورية في المستقبل من الناحية الأمنية سيكون أصعب مما هي عليه الآن.
من جهته، قال رئيس هيئة العمل الوطني أحمد رمضان إن الموقف الأمريكي في بداية الثورة السورية لم يضع بشار الأسد ضمن خارطة التغيير في المنطقة، مبينا أن أمريكا حددت التغيير في سورية في الإطار السياسي فقط وعدم السماح بالحسم العسكري.
وأشار رمضان إلى أن أولويات أمريكا محدودة في سورية ولكن رغم ذلك تحاول استنزاف إيران ومليشيا حزب الله وتوريط الروس أكثر، موضحا أن الموقف الأمريكي يعمل على إدارة الأزمة ضمن سياسة الإحتواء أكثر من حلها.
يشار إلى أنه حضر الندوة التي أقيمت أمس في أحد فنادق مدينة إسطنبول العديد من الباحثين والمفكرين السوريين والعرب، بالإضافة إلى العديد من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمتلفزة.
مسار برس