هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجددا، الاثنين، بقصف مواقع ثقافية إيرانية، بعد أن أثارت تصريحات مماثلة له انتقادات واسعة. وقال ترامب في تصريحات نقلتها أسوشيتد برس، إن المواقع الثقافية “هدف عادل” للجيش الأميركي.
وكان ترامب قد هدد لأول مرة باستهداف 52 موقعا في إيران بينها مواقع مهمة للثقافة الإيرانية، في تغريدة عبر حسابه على “تويتر” جاء فيها “مسموح لهم بقتل أفرادنا وتعذيبهم واستخدام القنابل المزروعة على جانب الطريق لنسفهم، بينما لا يتم السماح لنا بمساس مواقعهم الثقافية.. هذا أمر لا ينبغي”
وقال إسبر “سنتبع قوانين النزاع المسلح” التي تحظر استهداف الآثار، مؤكدا أن الجيش ليس لديه أي خطط للقيام بذلك.
وكتبت نيويورك تايمز أن إسبر أقر بأن ضرب المواقع الثقافية دون قيمة عسكرية سيكون جريمة حرب، مما يضعه على خلاف مع الرئيس ترامب الذي أصر على أن هذه الأماكن ستكون أهدافا مشروعة.
وقوبلت تهديدات ترامب بموجة إدانة واسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وزير الدفاع الأميركي استبعد ضرب المواقع الأثرية الإيرانية التي هدد ترامب باستهدافها (الفرنسية) |
معالم إيران الثقافية
وضمن المواقع الإيرانية المسجلة على لائحة التراث الإنساني آثار المدينة المقدسة في مملكة إيلام، التي تأسست في منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وعاصمة الإمبراطورية الأخمينية القديمة التي أنشأها داريوس الأول (دارا الأول أو داريوش الكبير) عام 518 قبل الميلاد “بِرسْبوليس”.
وتضم القائمة كذلك ساحة نقش جهان في مدينة أصفهان التي بناها الشاه عباس الأول الصفوي في بدايات القرن 17 وتحاط بأبنية ضخمة، وبها جامع الشيخ لطف الله ورواق قيصري وقصر قديم، وكذلك انضمت للقائمة غابات الهيركان في عام 2019.
ومدرج بالقائمة موقع تخت سليمان الذي يضم معبد النار وقصرا قديما والمزار الزرادشتي الأساسي لأبناء الديانة الذي أعيد بناؤه في حقبة المغول الإيلخانيين في القرن 13.
وتشتمل القائمة كذلك مجموعة أديرة وكنائس أرمنية قديمة يعود تاريخها للقرن السابع في مدينة أذربيجان الغربية، ومدينة بَم (بمحافظة كرمان) التي تعد أكبر مدينة مبنية بالطوب اللبن في العالم، وتماثيل بيستون الشهيرة المنحوتة على الصخر من زمن الملك داريوس الأول الأخميني ويعود تاريخها لعام 522 قبل الميلاد.
وعلى القائمة مجمع قصور غلستان الملكي الذي بناه الشاه طهماسب الأول الصفوي، وبرج قنبد قابوس الذي كان الأطول وقت إنشائه عام 1006م، ومسجد أصفهان الجامع المبني عام 771م، ومدينة العصر البرونزي “شهر سوخته”، وكذلك عاصمة الدولة الإيلخانية القديمة “سلطانية” التي يعود تاريخها لبداية القرن الرابع عشر.
مدينة قُم
ولا يمكن الحديث عن مواقع إيران الثقافية التي قد يستهدفها الرئيس الأميركي دون تناول “قم” ثاني أكبر مدن البلاد ومركز حوزتها الدينية الشيعية التي يطلق عليها “قم المقدسة”، لمكانتها العلمية والمذهبية وعشرات المؤسسات الدينية والمدارس العلمية ومؤسسات الدراسات والبحث ودور النشر.
وتضم قم كبار علماء المذهب الشيعي وقبورا ومساجد وأضرحة بينها قبر “المعصومة” الذي بنى عليه سلطان الصفويين قبة كبيرة مزينة ومزخرفة.
وفي العصر الحديث توسع أكثر دور الحوزة والمؤسسة الدينية في قم فأصبح يشمل جميع النواحي العلمية والسياسية والاجتماعية بل الاقتصادية أيضا، ولا سيما بعد إسهامها الكبير والحاسم في قيام الثورة الإيرانية على نظام شاه إيران آنذاك محمد رضا بهلوي، وتأسيس “الجمهورية الإسلامية” عام 1979 بقيادة آية الله الخميني الذي تعلم ودرّس في مدينة قم.
وتعتبر كل من أصفهان وشيراز ومشهد وتبريز وطهران وجيلان ومازندران ويزد وكيش من أكثر المدن استقطابا للسياح في إيران وكذلك السياحة العلاجية والديني
عودة التاريخ
وفي مقاله لصحيفة الغارديان البريطانية، قال الكاتب سيمون جنكينز إن تهديدات دونالد ترامب للمواقع الثقافية الإيرانية بشعة، واعتبر أن تبرير القصف الأميركي لمواقع تراث ثقافي إيرانية مثل مساجد أصفهان أو برسبوليس يمكن مقارنته بالمستوى الأخلاقي نفسه لأعمال داعش التخريبية في تدمر والموصل.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في عام 2015، إن التدمير المتعمد لتراثنا الثقافي المشترك يمثل جريمة حرب وهجوما على الإنسانية ككل.
وذكّر الكاتب بمشاهد تاريخية مثل قصف سلاح الجو الملكي البريطاني ألمانيا في الحرب العالمية الثانية واستهداف المدن التاريخية بشكل صارخ. وأشار إلى أن قائد سلاح الجو الملكي البريطاني اعتبر حينها أن تدمير تراث ألمانيا من شأنه كسر روح العدو وإجباره على الاستسلام.
ولكن ما حدث في الحرب العالمية الثانية كان العكس، فقد كان وينستون تشرشل مخطئا -هو وقائد سلاح الجو البريطاني- بالظن أن قصف مدن لوبيك ونورمبرغ ودريسدن سيقنع هتلر بخطئه، ففي الواقع قام هتلر في ربيع عام 1942 بالرد بقوة في “غارات بايديكر” التي نفذها سلاح الجو النازي على المواقع والكاتدرائيات البريطانية التاريخية والسياحية، انتقاما لقصف لوبيك العريقة التي كانت واحدة من أبرز عواصم التجارة بالعالم القديم.
المصدر : الجزيرة