“كل ما يفعله ويقوله حسن نصرالله هو الحق”. تلك نظرية لا تقبل النقض. فالرجل الملهَم من قبل الولي الفقيه في طهران لا يخونه الصواب، وإن أخطأ فإن خطأه يصحح الصواب وما على الآخرين سوى الإذعان لما تجترحه عبقريته الفذة من حلول مبتكرة. مَن يراقب وجه السيد وهو يلقي خطاباته لا بدّ أن تصدمه علامات السخرية من سياسيي لبنان الآخرين الذين يعتبرهم السيد مجرد لاعبين صغار، مراهقين وهواة لا يفقهون من عالم السياسة وليست لديهم خبرة تؤهلهم للغوص في بواطن الأمور الشائكة. الجميع من غير استثناء هم بالنسبة لنصرالله دمى أطفال وعلكة أعياد وأكياس ملونة فارغة وشرائط زينة ومصابيح تومض وتنطفئ في الأعراس ومعجنات منفوخة لا ينبغي أن يتعامل المرء معها بطريقة جادة، وما وجودهم على المسرح إلا جزءا من عرض يمكن الانتهاء منه وطي صفحته بيسر. مَن جرّب الشراكة مع حزب الله لا بدّ أن ينتهي نهاية الرئيس اللبناني ميشال عون، بقايا جنرال مستعار من متحف مدام توسو، ذكرى محارب يشك الكثيرون في كل ما يُضفى عليه من ألقاب وكل ما يعلقه على صدره من أوسمة لا يمكن التحقق من وجود المناسبات التي تشير إليها. لقد تحول الجنرال إلى بيدق تحركه أصابع بيدق آخر هو حسن نصرالله الذي لطالما كرر أنه مجرد جندي من جنود الولي الفقيه. وهو ما يُسلط الضوء على الدور الخطير الذي يلعبه رجل العصابات اللبناني في خدمة المشروع التوسعي الإيراني الذي لا ينطوي إلا على الخراب. لقد انطوت سخرية نصرالله على الكثير من الترهيب الموجه إلى أطراف المائدة اللبنانية، لذلك لم يقف في وجهه أحد بطريقة مباشرة تدفعه إلى الارتباك ومراجعة سياساته والتحكم بطريقة واعية بسلوكه الطائش. لم يقل له أحد بصوت عال “انظر إلى الجانب الآخر من الحقيقة”. بسبب غروره يأمر حسن نصرالله الآخرين أن ينصتوا له من غير أن يكلف نفسه جهد الإنصات لهم. فهو يؤمن بشكل مطلق أن كل ما يقوله اللبنانيون الآخرون هو مجرد زبد لا ينفع الناس ما دام قد أمسك بيديه نور الحقيقة المطلقة القادم من طهران. لذلك كانت صدمته كبيرة حين صفعه سعد الحريري برفضه الاستمرار في تمثيل دور شاهد الزور. فلم يجد أمامه سوى أن يطلق العنان لأبواق الكذب والتهريج والردح والتهكم والاتهام والتبخيس، بدلا من النظر بطريقة حكيمة إلى ما قاله الحريري في تفسير مسألة استقالته. كلام الحريري الواضح لم يقابله نصرالله بطريقة تنطوي على التقدير والاحترام للشخصية المعنوية التي ينطوي عليها وجود الحريري. لقد بدا واضحا أن سيد المقاومة شعر أن البساط قد سحب من تحت قدميه بطريقة مهنية ناعمة، وأن الغطاء الرسمي قد رفع عن وجوده غير الشرعي بكل ما يحتويه ذلك الوجود من ألغام وسموم وهو ما دفعه إلى اختراع الحكايات. لم يبتعد نصرالله عن سخريته المعهودة حين صوّر استقالة الحريري في إطار الخطف والإجبار الذي مارسته السعودية من أجل الضغط على البلد الصغير الذي هو لبنان. حكاية ملفقة لم تتمّ من خلالها الإساءة إلى المملكة العربية السعودية فحسب، بقدر ما ذهبت إلى التقليل من قيمة الحريري ووضعه في الصورة التي يتمناها حزب الله ونصرالله بنفسه وهي صورة الولد الذي تأمره السعودية فينصاع لأوامرها. وهي الصورة التي سبق لنصرالله أن وضع كل سياسيي لبنان غير المتحالفين معه في إطارها. علاقة الحريري بالسعودية وهي علاقة معلنة هي من وجهة نظر نصرالله نوع غير مسموح به من العلاقات، أما علاقة نصرالله بإيران وهي علاقة ملغومة بالجرائم والمؤامرات ومشاريع التخريب فتستحق أن يُنظر إليها بقدر عال من التقديس. أباطيل صنعت تاريخا مزورا وثقافة نذرت نفسها لتمجيد الزيف.
الشروق العربي – فاروق يوسف