عربي21- باسل درويش
نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا، للصحفية أنشال فوهرا من طرابلس، قالت فيه إن الناشطين في ثاني أكبر مدينة في لبنان، لديهم مهمة، فهم يجوبون مناطق الطبقة الوسطى في طرابلس، حيث الشقق الجميلة ومتاجر الملابس المصممة، بحثا عن عائلات تحتاج مساعدة .
ويشير التقرير الذي ترجمته “عربي21″، إلى أنه وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، وفي الوقت الذي تراجع فيه سعر الليرة اللبنانية بنسبة 60 بالمئة، والإغلاقات التي سببتها جائحة كورونا، برزت مشكلة البطالة وفقدان الوظائف .
وقال إن لدى أصحاب البقالات والصيدليات العشرات أو المئات من حسابات الدين المفتوحة، لبيوت لا يستطيع أصحابها دفع فواتيرهم.
ويعتمد الناشطون على أصحاب هذه المحال للحصول على معلومات. ويشاركونهم معلومات حساسة بما فيها أسماء وعناوين عائلات عليها ديون بشرط ألا تكشف هذه المعلومات، حيث يعتبر عيبا لدى الطبقة الوسطى العربية أن تستدين وأي اعتراف علني بذلك قد يؤدي إلى انهيار في المكانة الاجتماعية للشخص.
ويتفهم الناشطون الحالة التي يعاني منها هؤلاء، ويقومون بتوزيع ظروف بيضاء صغيرة فيها مبالغ ما بين 350 دولار إلى 550 دولار نقدا، تبرعات من الطرابلسيين في الخارج، إلى بعض المحتاجين.
وتتم العملية بشكل سريع وبتحايل، فعادة ما تقوم بالعمل ناشطات يسلمن المال للمرأة التي تدير البيت على أساس ألا يكتشف الرجال في البيت ذلك.
وعددت الناشطة هالة كبارة التي تعمل مع جمعية سنابل الخيرية في طرابلس، العديد من تلك التجارب، وقالت: “الطبقة الوسطى في لبنان ليست ثرية ولكن كانوا يستطيعون دفع أجور السكن وأن يرسلوا أبناءهم إلى مدارس جيدة، وأصبح الأمر الآن أصعب بكثير.. لقد أعطينا مثل تلك التبرعات لحوالي 100 امرأة ولكن كلهن كن خجلات، إحداهن بكت وشكرتنا.
وقالت فدى جندي حجة، مديرة الجمعية إن الأزمة الاقتصادية في لبنان تطحن الفقراء ولكن بدأت تشعر الطبقة الوسطى أيضا بذلك، وقد يكون من الصعب رؤية ذلك ولكن يمكن أن يسمع في زمجرة المحتجين الذين ملأوا ميادين المدينة حتى وسط أزمة كورونا، وقالت حجة: “لم يبق هناك طبقة وسطى. ولكن هناك مجموعات ذات دخل قليل تحاول أن يكفيها ذلك الدخل.. ويمكن رؤية الرجال العاطلين عن العمل يتسكعون في أي مكان تذهبي إليه”.
لبنان التي هي تاريخيا أرض تجار البحر على البحر الأبيض المتوسط، حافظت على نفسها على أنها بلد تتمتع بدخول متوسطة في العصر الحديث.
وقال الاقتصادي اللبناني، روي بدارو، بأنه حتى وقت قصير كان 65 بالمئة من الشعب اللبناني ينتمي للطبقة الوسطى، ولكن البنية الطبقية في لبنان تنهار بسرعة.
وقال إن الطبقة الوسطى فقدت حوالي ثلثي مقدرتها الشرائية وانتقلت إلى الجزء الأدنى من الطيف.. وعندما تميل الطبقة الوسطى للاختفاء تقريبا في أي بلد، فإن ذلك يجلب معه اختلالا تاما لتوازن النظام كله واضطراب اجتماعي قد يؤدي إلى أي نهاية.
وكان لبنان يعاني من أزمة قبل هذا الاضطراب الناتج عن جائحة فيروس كورونا. وتعود أصول الأزمة إلى تسعينات القرن الماضي، عندما أعيد بناء البلد بعد الحرب الأهلية في العقد السابق لذلك.
وفي عام 1997 حاول البلد جذب استثمارات اللبنانيين في الخارج، من خلال تثبيت سعر صرف الليرة (1500 ليرة = دولار واحد)، وهو ما حمى المستثمرين من المخاطر.
ولكن مع ركود الاقتصاد وخاصة بعد الربيع العربي والحرب الأهلية السورية، أنفقت الحكومات المختلفة زيادة عن الميزانية ولم تقم بإصلاحات، أو منع ما اعتبر مزيجا قاتلا من الفساد والمحسوبية الاقتصاد من النمو.
وقال التقير إن البنك المركزي تحرك للحفاظ على قيمة الليرة، حيث عرض على المودعين الكبار فوائد عالية لا يمكن استدامتها فيما وصف بأنه سلسة بونزي مدعومة من الحكومة، وسلسة بونزي هي نظام يدفع الأرباح للمستثمرين القدامى من أموال المستثمرين الجدد.
وبينما سارع الزبائن لسحب ايداعاتهم فرضت البنوك ضوابط شديدة على رؤوس الأموال، والآن أصبح اللبنانيون العاديون لا يعرفون إن كانوا سيحصلون على أموالهم من البنوك أم لا.
كما أن نقص الدولار زاد من سعره وتراجع سعر الليرة، وهو ما قلل قيمة الليرة اللبنانية، وهي العملة التي يكسب معظم اللبنانيون اجورهم بها.
وأصبح لبنان الآن في حالة صعبة، وتوقع تحذير من البنك الدولي في تشرين ثاني/ نوفمبر، بأن يزيد الفقر في لبنان من 30 بالمئة إلى 50 بالمئة، ويتوقع أن يتجاوز هذا الرقم النصف عندما نأخذ بعين الاعتبار آثار تراجع سعر الليرة والبطالة التي تسببت بها الجائحة.
وفي مزيد من الأخبار السيئة، وبينما يتوقع أن تتقلص الاقتصادات في أنحاء العالم هذا العام، توقع صندوق النقد الدولي تقلصا بنسبة 12 بالمئة للاقتصاد اللبناني.
وفي آذار/ مارس الماضي، ولأول مرة لم تدفع لبنان قسط التسديد المترتب عليها للدين الأوروبي البالغ 1.2 مليار دولار وذلك لإبقاء الأموال في الداخل للدفع للخدمات الأساسية.
ويقول التقرير إن ذلك يخشى منه التقليل من مصداقية لبنان أمام الدائنين. وتبقى مديونية لبنان هي الأعلى في العالم حيث تساوي 170 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
و بدأت الحكومة اللبنانية حديثا مفاوضات مع صندوق النقد الدولي على أمل الاتفاق على خطة انقاذ، وتسعى للحصول على قرض بقيمة 9 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي وطلبت من الدول الأوروبية اطلاق 11 مليار دولار تمويل تم الوعد به في 2018 لانعاش الاقتصاد المريض.
ولكن مع غياب اصلاحات حقيقية للتعامل مع المحسوبية والفساد المستشري، بقي المجتمع الدولي مترددا.
وكما يقول الخبراء بأن أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي سيربط بإجراءات تقشف قد لا ترضي المحتجين.
وفي هذا الصدد قال ناصر ياسين، الأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت: “ستتضمن اجراءات التقشف التقليل من عدد الموظفين في القطاع العام مثل المدرسين وغيرهم، وهذا سيؤدي في المحصلة إلى مظاهرات عامة وضغطا معاكسا من الاتحادات والمجموعات المهنية”.
وحتى لو نجحت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي فإن الأمر سيأخذ وقتا طويلا حتى يحس الناس في الشارع بالفائدة.
ويحتاج الفقراء والطبقة المتوسطة الدنيا إلى مساعدات مالية ماسة، فهم أكثر الناس تضررا، وعلى عكس الطبقة الوسطى لا يستطيعون حتى الظهور بمظهر غير المحتاج.
فهم يضطرون للاصطفاف للحصول على شيء من الطعام المجاني ويتدافعون حتى لأجل رغيف الخبز.
وفي وسط مدينة طرابلس التي تتمتع بعمارة مملوكية جميلة تعود للقرن الرابع عشر، يعيش أكثر الناس فقرا، فيكسب 60 بالمئة من السكان هناك دولارا في اليوم حتى قبل الأزمة.
والسكان الذين كانوا يحبون الحديث عن قصص المجد الماضي، فقدوا الثقة بأن انجازات الماضي ستضمن لهم عودة الزمن الجميل.
وكان يأمل الطرابلسيون بأن ميناءهم، الذي يعتبر ثاني أكبر ميناء في لبنان ويبعد فقط 19 ميلا عن الحدود السورية، سيكون مركزا في أنشطة إعادة إعمار سوريا، وهو ما سينقذ المدينة نفسها.
ولكن لا يبدو ما يشير إلى إعادة إعمار سوريا في المستقبل المنظور. والآن يبدو أن الناس في طرابلس ولبنان بشكل عام ليس لهم إلا الاعتماد على بعضهم البعض.