العقدة الخفية في إخفاق الحلول السياسية والعسكرية في سورية
ما عمل على تأجيل أمد الحل، ولا يزال، عسكرياً كان أم سياسياً، ليس تعدّد أبعاد النزاع، ولا عجز الدول عن لي ذراع الأسد، ودفعه إلى الرحيل، بل حتى جموح طهران الاستراتيجي والروح الانتقامية التي طبعت سياسة روسيا بوتين. كانت أي واحدةٍ من الجرائم والانتهاكات، من الاستخدام المتكرّر للأسلحة الكيميائية إلى قذف البراميل المتفجرة على السكان الآمنين، وفرض حصار التجويع على المدن والقرى من دون تمييز، وقتل الآلاف تحت التعذيب في سجون العار، وعمليات الترويع والتهجير القسري والجماعي للسكان، مما لم تكف تقارير المنظمات الدولية الإنسانية والقانونية، منذ سنوات، عن وصفه بجرائم حرب موصوفة وجرائم ضد الإنسانية، أقول أي من هذه الجرائم الشنيعة كانت كافية وحدها لتثير عاصفةً مدويةً من الاحتجاج الدولي، وإطاحة نظامٍ أصبح صنواً للرعب والإرهاب.
لكن، بدل ذلك، اختارت الدول الغربية، وليست روسيا فحسب، مكافأته، أولاً برفض نزع الشرعية عنه، والحفاظ على موقعه في المنظومة الدولية خلال السنوات الماضية. وثانياً، بالتمسك بوجوده شريكاً في أي حكومة أو هيئة انتقالية، وصرف النظر عن أي عدالة أو محاسبة أو مساءلة على ما ارتكبه من فظائع بحق السوريين والمنطقة بأكملها.
لا يوجد هناك ما يمكن أن يبرّر هذا الضلوع في المحافظة على نظام الأسد، لا تعقيد الوضع كما كان يقال، ولا صعوبة الحسم العسكري، ولا الخوف من التكاليف والخسائر، ولا الحفاظ على مؤسسات الدولة، ولا حماية الأقليات. تكمن العقبة الخفية الحقيقية أمام تقدم مفاوضات التسوية السياسية منذ مبادرة جامعة الدول العربية في خوف الدول الكبرى، الروس والأميركيين والأوروبيين والصينين وغيرهم، كل لأسبابه ورهاناته الخاصة، من التسليم بنقل السلطة في سورية للشعب، والقبول بالاحتكام بالفعل لصندوق الاقتراع، أي بحكم الأغلبية السياسية والعددية، في الوقت نفسه.
الخوف من الإسلام مبرراً لإعادة تأهيل الديكتاتورية
لا ينبغي أن ننسى أن الولايات المتحدة، والغرب عموماً، هما اللذان دعما، في العقود الطويلة الماضية، الديكتاتورية في إفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط وآسيا. وكان الاعتقاد أن ذلك حصل لمقاومة الشيوعية. والحال أن ذلك حصل، لأن الشيوعية كانت تمثل الوعاء الأيديولوجي والفكري الذي انصبت فيه إرادة الاحتجاج العميقة ضد النظام المحلي، ومن ورائه العالمي، وانتزعت قطاعاً كبيراً من الجمهرة الشعبية.