الحاجة إلى ثورة في الثورة
وليس هناك أي اتفاق بين من يخوضون الحرب على نمطها، وهل هي حرب جيوش أم حرب عصابات أم مزيج من الاثنين، أم أنها ليست حرباً، بل مجرد عمليات غزو متلاحقة، هدفها أخذ الغنائم من النظام، يؤكد ذلك اتفاق تنظيمين كبيرين، يقاتلان في ريف حماه على التخلي عن اعتبار الأملاك العامة غنائم يجب تقاسمها بينهما؟ وإذا لم نكن حيال وضعٍ أقرب إلى الغزو منه إلى الحرب، كيف نفسر فوضى التنظيمات والسلاح والزعامات، وتعايش الشبيحة وأمراء الحرب مع وطنيين وإسلاميين مخلصين، والنزوع إلى الانفراد بالمناطق التي يحتلها فصيلٌ بمفرده، أو تجمع فصائل، والاستئثار بما يتركه الجيش الأسدي وراءه من سلاح وذخيرة، بدل اعتباره ملكاً للجيش الحر والفصائل، تتزوّد به جميع الوحدات المقاتلة، ولماذا تنتزع التنظيمات الكبيرة من التنظيمات الأضعف ما تستولي عليه من عتاد النظام وذخائره؟ وكيف لم تقتنع الفصائل بعد بالانضواء تحت هدف وطني، تقول جميعها إنه مشترك بينها هو إسقاط الأسد ونظامه؟ ولماذا تتمسك بالنمط الفصائلي شكلاً وحيداً لتنظيمها العسكري، على الرغم من ثبوت عجزه عن تحقيق هدفها، وبناء ميزان قوى، لا يستطيع الروس والإيرانيون كسره، يستثمر كثافة الانخراط الشعبي في المقاومة، ويؤطره في أشكال من التنظيم العسكري، مرنة وفاعلة؟
هذا الوضع أنتجه عجزنا عن تعبئة قدراتنا الذاتية، ضمن أشكال تنظيمية تتناسب ونمط الصراع الذي نخوضه، وتفعيلها بطرق تصاعدية، تقرّبنا خطوةً بعد أخرى من هدفنا، وحتّمه فشلنا في وقف العدوان الأسدي على شعبنا أو كبحه، وتحقيق ولو نصف انتصار نرسي بواسطته ركائز وشروط ضرورية، لتحقيق تدريجي لما يطالب شعبنا به، منذ قامت الثورة: إقامة وضع ذاتي ثوري ووطني، يقنع العالم برحيل الأسد وتغيير النظام، وبناء نظام ديمقراطي، يضمن الحرية والكرامة والمساواة والعدالة لجميع المواطنين. وأنتجه أخيرا افتقارنا لخطة عسكرية استراتيجية، تترجم إلى برامج محلية ومناطقية ووطنية، تغطي بلادنا بكاملها، لحمتها وسداها في مرحلتنا الراهنة تكتيكاتٌ تراكميةٌ ناجحة، تعبر ميدانياً عن استراتيجية سياسية، تمس حاجتنا إليها، لأننا لا نمتلكها بعد.
بما أننا نفتقر إلى جميع هذه المفردات، فإن تحركاتنا تتسم بالتخبط والجزئية والتقطع، ويعقب انتصاراتنا الباهرة هزائم محبطة وغير مبرّرة، وتحتجزنا توازناتٌ هشة، وعلى قدر كبير من الاضطراب والتذبذب، ويتعايش ساستنا وعسكرنا، كل على حده، مع واقع تتحدّاهم تعقيداته التي تصير، بمرور الوقت وتراكم الأخطاء، عصيةً أكثر فأكثر على الحل.
نحن في حاجةٍ إلى ثورة في الثورة، تغلب الطابع الوطني والشعبي من نضالنا في سبيل الحرية على الجوانب والولاءت الجزئية والدنيا التي حكمت حراكنا وأنشطتنا طوال الأعوام الماضية، ولعبت دوراً حاسما في نجاة النظام، على الرغم من أن بعضها استهدف مقاتلته. ونحن في حاجة أيضا إلى إعادة تعريف أوضاعنا السياسية والعسكرية وهيكلتها، بحيث نقوّم اعوجاجها، ونصحّح مساراتها، ونعيد بناءها بما يخدم مصالحنا الوطنية، الجامعة والعليا، ويهمش المصالح الجزئية والدنيا للأطراف المنخرطة في الصراع الذي هو صراع من أجل الحرية، وليس صراعاً على سلطةٍ يحق لنا رؤية مصالحنا الوطنية العليا بدلالتها، بدل أن نحدّدها هي انطلاقا منها، فلا تخدم مواقفنا عدونا: نظام الأسد، من حيث لا نريد. في النهاية، لن تنتصر الثورة ويهزم النظام، إذا لم ننجح في تغليب مشروع الحرية على مشاريع الاستبداد البديلة لها وللنظام، فالثورة لن تنتصر بمشاريع متضاربة، ينفي بعضها بعضاً، يخدم مشروع الأسلمة الاستبدادي منها النظام، بالتقائه معه على معاداة الحرية وتهميش (ومحاربة) حملتها، في صفوف الشعب والثوار في آن.