محاكمة أوباما
من عبر وثيقة الدبلوماسيين الأميركيين
الأمر الأول هو الاعتراف المباشر بأن سياسة أوباما، وبالتالي الدولة الأميركية التي يمثلها، تتحمل مسؤوليةً رئيسيةً في إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه، وأن سياسةً أكثر التزاماً بمبادئ القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة كانت كفيلةً بتجنيب سورية والمنطقة والعالم ما أصبح يوصف من الجميع بأنه أكبر كارثةٍ إنسانية شهدها هذا العصر. وهذا يعني أن المسؤول الأول عن التطورات الدراماتيكية للأوضاع، بما في ذلك ظهور “داعش”، وتوسّع دائرة الإرهاب، وزعزعة استقرار المنطقة، وربما تفجيرها، هو تخلي واشنطن، وهي الدولة المفتاح، عن مسؤولياتها الدولية. وهذا بصرف النظر عن الإخلال بتعهداتها تجاه حلفائها التقليديين في المنطقة، وفي مقدمهم دول الخليج وتركيا، أو ادعاءاتها الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في مواجهة النظم الشمولية والفاشية لدى الرأي العالمي
الأمر الثاني هو أن انتقاد العرب واشنطن، بسبب هذه السياسة التي تهدّد بكارثةٍ إقليمية، تشمل الجميع، لم يكن انتقاداً مجانياً ينبع من أي عداءٍ مسبق للولايات المتحدة والغرب، أو من تمحور العرب حول مصالحهم القومية أو الوطنية، وعدم مراعاة مصالح الآخرين، ولا من رفضهم، كما يميل أوباما وأنصار سياسته إلى القول، تحمل مسؤولياتهم والنزوع إلى رميها على الآخرين، وإنما هو انتقاد موضوعي ومبرّر سياسياً وأخلاقياً، فمآخذ العرب على خيارات الرئيس أوباما، منذ خمس سنوات في الشرق الأوسط، لا تختلف أبداً عن مآخذ السياسيين الأميركيين، وربما قد تكون أكثر اعتدالاً. فليس هناك من بين العرب من طالب بتدخلٍ عسكريٍّ لقلب بشار الأسد، وكل ما يطلبونه هو دعم المقاتلين السوريين، والوقوف بقليلٍ من الحزم ضد التدخلات العسكرية السافرة لإيران والمليشيات التابعة لها، ثم تسليم روسيا ملف التوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ تؤكد هي نفسها أنها لن تكون إلا بالمحافظة على نظام الأسد القائم، وربما الحفاظ على الأسد نفسه في منصبه.
والأمر الخامس أن سلبية الولايات المتحدة ساهمت في تعطيل آليات التضامن الدولية مع الشعب
القيادة العالمية بين البطش والاستقالة
لا أعتقد أن الأنانية القومية أو الخوف من المخاطر المحتملة هي التي كانت وراء الخيارات
غير المعقولة للرئيس الذي بعث انتخابه، وهو المثقف الإنساني، آمالاً كبيرةً، بتغيير وجه سياسة واشنطن التي حفلت قبله بالمبادرات السلبية والمدمرة في الشرق الأوسط بشكل خاص، من أفغانستان إلى العراق وغيرها من البلدان، لم ينجح في الوفاء بها. وربما كان اعتقاد الرئيس الأميركي أن تجنب الانخراط في المشكلات الدولية هو أفضل طريقة لتجنب الهزائم التي مُنيت بها واشنطن من قبل، بسبب السياسات المغامرة وغطرسة القوة التي ابتلي بها عديد من أسلافه.