فيروس “التمرذل” والحرب السورية
لم يوفر الفرقاء، أو أطراف الصراع على السلطة في سورية، أي وسيلةٍ لممارسة هذا التطاول، والانتهاك لوجدان الشعب ونفسه، إلا ومارسوها، ما زاد من إضرام النار في الميدان وفي الصدور، ولن تكون صورة الطفل عمران الذي أنقذ من تحت دمار القصف على أحد أحياء حلب الشرقية آخر ما سيستخدم أداة تمرذلٍ بحق الشعب، وبحق الطفولة أيضاً. صورة لو تركت وحدها نقيةً حرةً من أي تعليق كانت ستحكي ما تعجز اللغات والألسن عنه، مثلما لو تركت صورة الطفل إيلان الهامد على شاطئ الموت، هرباً من الموت السوري على أرض سورية. صورة عمران المعفّر بالتراب الصامت الذاهل الذي يمد يده إلى وجهه، ليمسح رطوبته، فتصدمه لزوجة الدم، يحتار بأمره فيمسح يده بالمقعد الجالس عليه، هذه الصورة التي تصلح لأن تعتقل لحظة زاخرة المعنى، أبدية عن الحرب السورية، انتهكها التمرذل والمساومة في بازار السياسة والإعلام.
لصقوها رمزاً لإيصال رسالةٍ إلى العالم، وإلى الضمير العالمي والعربي، بصورة مشهدٍ في أحد القمم العربية مكان مقعد الجمهورية العربية السورية وبجانبها علم الثورة. استخدموا الأدوات نفسها، الرموز نفسها التي ثار الشعب ضدها، فحصدت حناجره مناجل الطغيان السابق، والطامح بأن يكون البديل. اعتمدوا قواعد إعلام الحرب للورد بونسومبي التي تقول بنشر أخبار الفظائع، والتقدم نحو الأهداف الاقتصادية والسياسية تحت غطاء المحرّضات الإنسانية، بل وأضافوا عليها.
لو تركت الصورة بلا تمرذل، كم كانت ستوفر من دفع بالشعب السوري بعضه تجاه بعض، لو تركت الصورة بلا تعليق بكلماتٍ تغتال إنسانيتها الطاهرة المجروحة، كم كانت ستدوّي بصمتها في النفوس السورية، فالطفولة السورية منتهكةٌ في كل المناطق. ولدى كل الشرائح والجماعات، الطفولة السورية تقتل ببراميل السماء وصواريخ الأرض، وسكاكين الذبح الحلال. كان مشهد الفيديو القصير الزاخر لعمران يكفي أن يعرض بصمت إجلالاً لبهائه في ذهوله الكبير. لكنه التمرذل، يا صديقي، عانينا منه سنواتٍ طويلة، وما زلنا نعاني بقسوة أكثر، بعدما ازدادت خسّته، وفاقت كل تصوّر، وكنا غافلين عنه، فأتيت ووضعت إصبعك فوق جرحنا، وقلت: اصحوا، أنتم في مرمى فيروس يُدعى التمرذل، اتبعوا أساليب الوقاية حتى تصحّوا.