تمتع بالديمقراطية في سورية
فعلها النظام السوري مجدداً، وحصد غالبية (قل جميع) مقاعد مجلس الشعب، وهو الاسم المعتمد لمجلس النواب السوري الذي يروق لبعض الوجوه الإعلامية الواسعي الثقافة أن يسموه أيضاً “البرلُما”، مع خنّةٍ تدل على وجود نون مهملة في آخر الكلمة.
كل شيء جرى كالعادة المكرسة منذ عشرات السنين. كل المظاهر، من إعلان برامج (البرنامج الانتخابي لأحدهم يتلخص في “إعادة العبق لمدينة الياسمين”)، وصور (صورة المرشح الممثل المبدع المقاتل، وصورة المرشحة وبيدها “المايك” وهي تغني وترقص بالبدلة العسكرية)، وأحاديث تلفزيونية (عن الديمقراطية وسط تكالب العالم واندياح الخيانات)، وشعارات و”عرس وطني” وعدد هائل من المرشحين (في اللاذقية وحدها بلغ عدد طلبات الترشيح 1653، للتنافس على 17 مقعداً محدّدين سلفاً).
وانسحابات موزونة (مع بعض الزعل أو كثير منه، لأن النظام اختار فلانا في القائمة، ولم يختر علاناً مع أنه لا يقل ولاءً وتصفيقاً ودبكاً)، ومعرفة مسبقة بالنتائج (النظام هو الذي يختار نوابه من الشعب وإلى الشعب وعلى الشعب)، ومباركة بالفوز قبل الانتخابات (فمن ورد اسمه في قائمة المبشّرين بالمجلس هو بمثابة الفائزـ لا يقل عن ذلك مثقال صوت واحد) ..إلخ، كل هذه مظاهر مألوفة تماماً للسوريين، وهي بالنسبة لهم “ديجا فو”، بلغة النفسانيين.
كل شيء على سابق عهده، “فلا ملك جاء، ولا وحي نزل”. مع ذلك، هناك ما هو جديد، ولا يمكن إنكاره. مثلاً، حلت قائمة الوحدة الوطنية بدلاً من قائمة الجبهة الوطنية التقدمية السيئة، أقصد الذائعة الصيت. ومن حسن الحظ ومحاسن المصادفات أنها جاءت على مقاسها تماماً، من دون زيادة أو نقصان، أي “حفر وتنزيل”.
نعطيك مثلاً آخر على ما هو جديد، هناك محافظات لم تجر فيها “العملية الانتخابية”، نكرّر “العملية الانتخابية” (هكذا وبكل فخامة)، ذلك أن هذه المحافظات تقع تحت سيطرة جماعات إسلامية تكفيرية وإرهابية وطائفية وقروسطية ورجعية طبعاً، لكن الأهم أنها جماعات “ضد الديمقراطية” التي يسعى النظام إلى تكريسها بكل ما أوتي من قوة ورباط الخيل.
ويجب ألا يبحث المرء أو المرأة عن جوابٍ لأسئلةٍ، مثل لماذا يصر النظام على قمع أعداء هذه الجماعات المعادية للديمقراطية، والتي تحد جغرافياً (جغرافياً فقط) من هذا “العرس الديمقراطي”. ذلك أن هذا النوع من الأسئلة ليس سوى تعبيرٍ عن أن سائله لا ينتمي إلى الجماعة (بالإذن من جماعة الإخوان المسلمين، نقصد هنا جماعة النظام، فلكلٍ جماعته التي تجتمع على عداء الجماعة الأخرى، لا لشيء إلا لأن هذه تجتمع على عداء تلك، وقس على هذا، وكل في فلك يسبحون).