الانسحاب الروسي من سورية بعيون إسرائيلية: ترويج للتقسيم
ومع أن الدراسة أشارت إلى الوقع المفاجئ للقرار الروسي المذكور، إلا أنها نسبته مع ذلك لعدة أسباب اعتبرتها منطقية، وهي أسباب سياسية داخلية روسية تتعلق بانتخابات البرلمان الروسي في سبتمبر/أيلول المقبل، إضافة إلى أسباب وعوامل اقتصادية تتصل بالوضع الاقتصادي الروسي، ومحاولة للضغط على رئيس النظام السوري بشار الأسد وإيران للدخول في عملية سياسية لتسوية الصراع السوري. كما أن القرار بحسب الدراسة، شكّل رسالة للولايات المتحدة الأميركية مفادها إبداء مرونة روسية في الملف السوري طمعاً بمرونة مقابلة في أوكرانيا، وإدراك القيادة الروسية أنها لن تتمكن من تحقيق أهدافها المرجوّة في سورية كلياً، وأن الثمن بات أعلى من الفوائد المحققة من التدخّل، وبالتالي تجنّب التورط في حرب جديدة على شاكلة التورط السوفييتي في القرن الماضي في أفغانستان.
مع ذلك، تلفت الورقة إلى أن الولايات المتحدة كانت قد أعلنت قبل وقت قصير من الإعلان الروسي عن قرارها بتكثيف وتعميق العقوبات على روسيا، خلافاً للتوقّعات الروسية، وما تبع ذلك مباشرة من إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن الفيدرالية أحد الحلول الممكنة في سورية. وبحسب واضعي الورقة، فقد يكون إعلان روسيا عن سحب قواتها نابعاً من نية روسية لتحريك وإطلاق عملية تقسيم سورية وفرض تحدٍ أمام الغرب.
ويشير تقدير الموقف الإسرائيلي إلى أن إعلان روسيا عن سحب قواتها لا يعكس فعلياً انسحاباً تاماً من سورية، ولا سيما في ما يتعلق بالطيران الروسي، والإبقاء على قاعدتين بحريتين وقاعدتين جويتين في سورية وعلى القيادة العسكرية، والنشاط الروسي الاستخباراتي وجهاز المستشارين العسكريين وفق الإعلان الروسي نفسه.
مع ذلك، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الدعم الذي وفّرته روسيا للنظام السوري سيضمن بالضرورة بقاء الأسد، خصوصاً أن التطورات الميدانية من شأنها أن تؤدي إلى انهيار وقف إطلاق النار، عدا عن أن ما تبقّى من قوات روسية ليس كافياً بالضرورة لتمكين الأسد من مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) و”جبهة النصرة”، خصوصاً على ضوء تقليص إيران أيضاً لحجم قواتها في سورية.
ويرى الباحثون الثلاثة أن التحرّك الروسي في هذا السياق، يعكس عملياً مسعى روسياً لتكريس تقسيم سورية لعدة كيانات سياسية، أحدها كيان يقف على رأسه الأسد أو شخصية علوية أخرى، ينشط إلى جانب كيان آخر موجود على أرض الواقع هو الكيان الكردي على الحدود التركية، فيما يكون الكيان الثالث كياناً سنّياً.
وفيما تشير الورقة إلى أن السلوك الروسي لا يعكس رغبة روسية أو اهتماماً حقيقياً بمواصلة محاربة “داعش”، وترك ذلك لأطراف أخرى، فإنها ترى أن على الولايات المتحدة والتحالف الذي تتزعمه مواصلة الحرب على “داعش” مع السعي للتوصّل إلى تفاهمات مع روسيا سواء بشأن محاربة التنظيم أم بشأن العملية السياسية في سورية، بما يخدم المصالح الأميركية، التي لا تتماثل مع المصالح الروسية سواء بشأن مستقبل الأسد أم بشأن إبقاء سورية منطقة خاضعة للتأثير الروسي.
العربي الجديد