نجح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في تحقيق إنجازٍ رائع. ففي يوم الأحد، 15 يناير/كانون الثاني، سيجتمع كبار الدبلوماسيين من نحو 70 دولة في باريس، لإظهار دعمهم لتأسيس دولةٍ فلسطينية.
ولم يتمكَّن عباس من إقامة دولةٍ ذات سيادة لشعبه. ولم يقترب حتَّى من ذلك.
لكن في ظل التحديات التي تواجه العالم، قبِل العالم دعوة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للتكاتف من جديد، وحَثَّ عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على الاتفاق حول تفاصيل حل الدولتين لإنهاء هذا الصراع الذي امتد لعقودٍ.
وبحسب صحيفة The Washington Post الأميركية فقد شقَّ عباس والدولة التي يقودها، فلسطين، مع سكَّانها الموزَّعين بين الضفة الغربية وقطاع غزة، طريقهم عائدين إلى الساحة العالمية لمرةٍ أخرى على الأقل. في حين يحتج الإسرائيليون.
وقبل أيامٍ قليلة على ترك منصبه كوزيرٍ للخارجية الأميركية، سيقضي جون كيري ساعاته الأخيرة في منصبه بباريس، للتفاوض حول وثيقة تحظى بموافقة الحاضرين حول الطريقة التي يمكن أن يتعايش بها الإسرائيليون والفلسطينيون كشعبين، جنباً إلى جنبٍ، في أمنٍ وسلام.
هذا بعد أن قضى كيري 9 أشهر من فترة ولايته في جولاتٍ مكوكية بين القدس، ورام الله، والعواصم العربية، في محاولةٍ فاشلة للتوصل إلى اتفاق سلامٍ نهائي.
وبعد أقل من أسبوعٍ بعد مؤتمر باريس الذي سينعقد الأحد القادم، سيكون الرئيس الفلسطيني في مواجهة رئيسٍ أميركي جديد، لم يعبِّر عن شيءٍ سوى دعمه لإسرائيل، ورشَّح سفيراً كان معادياً بصورةٍ علنية للقضية الفلسطينية.
إسرائيل تقاطع
وستقاطع الحكومة الإسرائيلية مؤتمر باريس، وعبَّر قادتها عن ازدرائهم لهذه الجهود.
وقال نتنياهو الخميس، 12 يناير/كانون الثاني، إنَّ “هذا المؤتمر عبارة عن خدعة قام بها الفلسطينيون، تحت الرعاية الفرنسية، لتبنِّي مواقف جديدة معادية لإسرائيل”.
وفي مطلع إشارته لاستيائه من إدارة أوباما، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي المبادرة الفرنسية قائلاً: “إحدى مخلَّفات الماضي. إنَّه الرمق الأخير للماضي قبل أن يَحُلّ المستقبل”.
وقالت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، تسيبي حوتوفلي، إنَّ مؤتمر باريس “يشبه عرساً بلا عروسٍ أو عريس”. وقالت إنَّ الفلسطينيين لا يريدون السلام حقاً. وقالت لصحفيين أجانب الأربعاء، 11 يناير/كانون الثاني، إنَّهم “يُجلِّون الموت والدمار”.
وأكَّدت تسيبي أنَّ “المؤتمر لن يؤدي للسلام. بل على العكس، سوف يجعل السلام شيئاً بعيد المنال. فإسرائيل حقَّقت السلام مع مصر والأردن من خلال المحادثات المباشرة”.
وكثيراً ما تباهى نتنياهو بأنَّه مستعدٌ لمقابلة عباس “في أي مكان، وفي أي وقت” للتباحث بشأن السلام “دون شروطٍ مسبقة”.
لكنَّ التقارير أفادت بأنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض دعوةً فرنسية للسفر إلى باريس بعد المؤتمر لمناقشة نتائجه.
في حين قَبِل عباس دعوة هولاند، وسوف يذهب إلى باريس لاحقاً هذا الشهر.
ويوم السبت، 14 يناير/كانون الثاني، سيقابل عباس بابا الفاتيكان في روما. ولم تعترف الفاتيكان فقط بـ”دولة فلسطين”، بل ووافقت كذلك على السماح للفلسطينيين بافتتاح سفارة في الكرسي الرسولي (الكيان السياسي القانوني المعترف به دولياً ويرأسه أسقف روما).
وإذا اعتبرنا أنَّ التاريخ مؤشِّر فإنَّه لا سبب يدعو للاعتقاد بأنَّ مؤتمر باريس سيُقرِّب الإسرائيليين والفلسطينيين أكثر من السلام النهائي. فقد فشلت جهودٌ مماثلة على مدار الأعوام الـ25 الماضية.
وبحسب تقريرٍ لوكالة “رويترز”، أخبر هولاند الدبلوماسيين الفرنسيين بأنَّ هدف المؤتمر هو إعادة التأكيد على دعم المجتمع الدولي لحل الدولتين الذي يتلاشى “على الأرض، وفي الأذهان”.
الدعوة لخطوات حثيثة
وتدعو مسوّدة القرار التي تُبحَث في باريس، وحصلت عليها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، كلا الطرفين “إلى أخذ خطواتٍ حثيثة بغرض عكس مسار التوجُّهات السلبية على الأرض، ولبدء مفاوضاتٍ مباشرة بنَّاءة”.
وقال هولاند: “أنا واقعي حول ما يمكن لهذا المؤتمر تحقيقه. سيتحقَّق السلام فقط من خلال الإسرائيليين والفلسطينيين، وليس سواهم. المحادثات الثنائية هي فقط ما يمكن أن ينجح”.
ومع ذلك، حقَّق عباس والفلسطينيون نجاحاتٍ في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس أوباما.
ففي خطوةٍ مفاجئة، أصدر مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، ديسمبر/كانون الأول، قراراً يطالب إسرائيل بوقف أنشطة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية. وامتنعت إدارة أوباما عن التصويت، بدلاً عن استخدام الفيتو، كما كانت تفعل بثباتٍ في التصويتات السابقة.
وبعد أيامٍ قليلة، انتقد كيري بشدة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، قائلاً إنَّ تناميها يُهدِّد بتدمير إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل. وفي خطابه الذي استمر 70 دقيقة، وصف كيري الحكومة الإسرائيلية الحالية بالحكومة الأكثر يمينيةً في تاريخ البلاد، وقال إنَّها مدفوعةٌ بأجندةٍ استيطانية متطرِّفة معادية للتوصل لاتفاقٍ على أساس حل الدولتين.
وتبقى شعبية عباس منخفضة داخل فلسطين. فقد فشل في إقامة دولة لشعبه، وسئم الكثيرون من قيادته، ومن رفاقه المسنين. وأظهرت استطلاعات رأي جديدة أنَّ ثُلُثي الفلسطينيين يعتقدون أنَّ عليه الاستقالة من منصبه.
لكن في ظل تأجيل الانتخابات مراراً وتكراراً، تبدو البدائل الواضحة قليلة. وشدَّد عباس قبضته على السلطة في ديسمبر/كانون الأول في المؤتمر العام لحركة فتح التي يقودها، إذ أبعد هو وحلفائه المنافسين، وأعادوا تأكيد سيطرتهم.
والرسالة التي يرسلها هي أنَّ: عباس، الذي يبلغ 81 عاماً، ليس ذاهباً إلى أي مكانٍ آخر.
وقال غرانت روملي، الذي يكتب سيرةً ذاتية حول الزعيم الفلسطيني، إنَّ “مؤتمر باريس يُعَد نصراً لعباس”.
وقال: “أي تحرُّكٍ في الصراع يكون فيه المجتمع الدولي، وليس الولايات المتحدة، هو الوسيط الأساسي، يُعَد أمراً إيجابياً خالصاً بالنسبة للعباس، حتى لو كان ذلك يعني تصعيد التوتر في علاقته مع الإدارة المقبلة”.
ووافق محمد شتيّة، وهو مسؤولٌ فلسطيني بارز، وعضوٌ سابق في فريق المفاوضات، على أنَّ عودة القضية الفلسطينية من جديد لجذب انتباه العالم كان أمراً مهماً.
لكن شتيّة قال إنَّ القيادة الفلسطينية قلقة مما قد تجلبه إدارة ترامب معها. وقال: “جميع المؤشرات سلبية”.
وقبل ساعتين على حديث كيري الشهر الماضي، ديسمبر/كانون الثاني، وتحميله مسؤولية غياب اتفاقٍ للسلام، جزئياً، لإسرائيل، كان الرئيس المُنتَخب ترامب قد غرَّد قائلاً: “ابقِ قويةً يا إسرائيل، العشرين من يناير بات وشيكاً!”.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ترجمة :هافينغتون بوست عربي