بعد تدريب ممارسي العدالة الجنائية في كل من البلقان، وأفغانستان، وكمبوديا لعقد من الزمن، انتقل المحامي الأميركي كريس إنغل لقيادة وحدة جرائم النظام في لجنة العدالة والمساءلة الدولية The Commission for International Justice and Accountability، وهي جهة تحقيق مستقلة أُسست عام 2012 كردّ فعل على الحرب السورية. وكشف تحقيق موسّع تحت عنوان “ملفات الأسد”، نشرته مجلة “نيويوركر” الشهرية في عدد أبريل/ نيسان الحالي، عن أن العاملين مع لجنة العدالة تمكّنوا في السنوات الأربع الماضية من تهريب أكثر من 600 ألف وثيقة حكومية خارج سورية، تم العثور على الكثير منها في منشآت استخباراتية “في غاية السريّة”، تثبت تورّط الرئيس السوري بشار الأسد وكوادره بجرائم تعذيب وقتل آلاف السوريين منذ بداية الثورة السورية.
يقول كاتب التحقيق، بن توب: “دأب الناشطون والمنشقون على دفن ما تصل إليه أيديهم من وثائق في حُفر، وإخفائها في كهوف وبيوت مهجورة قبل تهريبها إلى مقر للمجموعة في إحدى الدول الغربية، وأحياناً تحت غطاء دبلوماسي. وهناك، يتم مسح كل ورقة ضوئيّاً وتحديد “بار كود”، ورقم لها، وتخزينها تحت الأرض في غرفة محميّة من الرطوبة والفئران”.
وتوّج عمل لجنة العدالة، أخيراً، بمذكرة قانونية من أربعمائة صفحة تربط التعذيب، والقتل الممنهج لعشرات الآلاف من السوريين بسياسة مكتوبة، وافق عليها رئيس النظام السوري بشار الأسد. ويتم تنسيقها بين وكالات أمنه الاستخباراتية، ويطبّقها عملاء النظام الذين يرفعون تقاريرهم عن نجاح حملتهم إلى رؤسائهم في دمشق. تسرد المذكرة أحداثاً يومية في سورية عبر عيون الأسد وشركائه وضحاياهم، وتقدم سجلاً للتعذيب المدعوم من الدولة، يكاد لا يصدق في مداه وقسوته. حكى الناجون قبل ذلك عن القتل، وأعمال التعذيب، والاحتجاز غير الإنساني في سورية، لكن لم يتم تتبع ذلك إلى أوامر موقعة. وتنقل “نيويوركر” عن ستيفن راب الذي قاد فرق الادعاء في المحاكم الجنائية الدولية في رواندا وسيراليون، قبل أن يخدم لست سنوات كسفير للولايات المتحدة في قضايا جرائم الحرب، قوله إن “توثيق لجنة العدالة أغنى بكثير من أي شيء رأيته، وأي شيء قمت بالادعاء به في هذا المجال”. وعلى الرغم من فشل مجلس الأمن الدولي في مايو/ أيار 2014 بإحالة الأزمة في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب “الفيتو” الروسي والصيني، أصرّ مؤسس لجنة العدالة، بيل ويلي، وهو محقق كندي في جرائم الحرب، على أن عملية جمع الأدلة وترتيبها في قضايا، هي عملية تنفيذية صرفة من الممكن القيام بها قبل وجود الإرادة السياسية في السير في القضية، بحسب ما قال لـ”نيويوركر”. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، سافر ويلي إلى مدينة إسطنبول التركية مع اثنين من زملائه لتدريب النشطاء والإعلاميين السوريين على جمع الأدلة التي يمكن أن يستخدمها الادعاء بشكل أفضل في تعقب المسؤولية الجنائية إلى أعلى مكان تصل إليه. كان ذلك توجهاً جديداً. فبدلاً من رفع الوعي بالجرائم، على طريقة إرسال الوثائق والأشرطة المُصورة لوسائل الإعلام أو نشرها على الإنترنت، كانت رؤية ويلي صاحب الخبرة في التحقيق بجرائم الحرب في رواندا والمنطقة الشرقية لجمهورية الكونغو الديمقراطية بتكليف من المحكمة الجنائية الدولي، تركز على إثبات الجرائم على أطراف من الدولة سواء أقر المجتمع الدولي التحقيق أم لا. ويقول ويلي للمجلة ذاتها، “الشيء الأكبر الذي أردنا أن يركزوا عليه هو التوثيق الناتج عن الحكومة”، والذي سمّاه “ملك أو ملكة الأدلة في الإجراءات الجنائية الدولية”. ويضيف ويلي أنّه “لم يكن لدى الثوار في البداية اهتمام بالتوثيق. كانوا يستولون على منشأة تابعة للنظام، ثم يقومون بنهب المكان باحثين عن أسلحة وذخيرة ثم يضرمون النيران في المكان. كل الأدلة المحتملة يتم تدميرها”. ويتابع أنّ “لجنة العدالة قالت للثوار: استولوا على الوثائق أولاً، ثم نحوها جانباً حتى يمكن إخراجها من البلاد، ولا تعبثوا بتلك المواد أو تقلبوها”.
العربي الجديد