“حذارِ.. يا ولدي أن تمل من الصبر.. سوريا بلد المحبة والبركة.. حذارِ من دموع رجالها وآهات همومهم وزفرات تنهيداتهم.. هي لا تخفى على الله، لكن الفرج يأتي بعد الألم لتكون عطيته للصابرين” تلك توصيات أم عبد لله (60 عاماً) من ريف إدلب، وهي تشاهد تصاعد الآهات ودموع الأبناء من سنين طوال عانوا فيها من الفراق والحرمان، ومن مرارة الألم بشتى الألوان، لم تخفِ الحرب عنهم فظاعتها وكوارثها.
مرت الأعوام على الثورة السورية، العام تلو الآخر ليشهد السوريون سنوات عجاف لم تشهدها البشرية من قبل.. أعوام لم تجتمع خلالها الدول لحل أزمة الحرب فيها، بل اجتمع فيها الحاقدون والطامعين والمنتقمون للمساندة في القتل والحصار لشعب رفض الذل وطالب بحريته، وبكرامة حياة مستقبلية لأبنائه.
أعوام تمرّ لم يغضب أحد لبكاء الأطفال وخوفهم الشديد من صوت صافرات الإنذار وهدير الطائرات التي تكاد لا تغادر الأجواء لتحصد الأرواح وتقتل الأبرياء.. أعوام لم تقلق أحدا من حرمان الطلبة من التعليم والتهجير الممنهج بذريعة المصالحة أو ترحيل المسلحين أو لمّ الشمل، لتغادر آلاف العائلات من الوطن الأم وتعيش في بلاد أخرى اللجوء والتشتت، وكأنها أشجار تقلع من جذورها لتزرع في أرض لا تمت لها بصلة.. وقد تكون هذه الأرض رملية مالحة فتغدو حياتهم.
أعوام مرت أطلقت فيه آلاف القذائف العمياء التي قطعت أوصال أطفال يلعبون في الشوارع وفي البيوت التي لم تعد آمنه وغدت ركامها قبوراً لآلاف السوريين.
أعوام تنتهك فيها الحرمات وتقصف فيها البيوت والمساجد، وكمّت الأفواه واعتقل الشباب بتهم مختلفة أودت بحياة الكثيرين تحت منهجية تعذيب لا ترحم، لم ينجُ من الاعتقال حتى الصحفيين وقد قتلوا بوحشية منقطعة النظير.
أعوام غابت فيها المواطنة، ولم تعد أسعار السلع بالمعقول حتى رغيف الخبز الذي بات السوريون في المناطق المحاصرة يتمنون حتى شم رائحته..
أعوام لم نرتقي بها أو نتطور لكن علت فيها أرواح الأبرياء من مدنيين عزّل لا حول لهم ولا قوة.
فالموت بمختلف الأسلحة الفتاكة كان مجازر جماعية، وكأنها صنعت لتجرب في سوريا الجريحة.
أعوام لم تقلل من البطالة بل زادت وتفشت مع عجز متزايد جعل من الأغلبية يصنفون تحت خط الفقر والحاجة بعد خسارتهم لموارد رزقهم ومساكن تواجدهم ليجدوا أنفسهم في خيام مهترئة.
أعوام زادت من عدد الأيتام والمشردين، وعدد الأرامل والمحتاجين زادت من آهات المواطنين بالداخل وأنات المغتربين في الخارج.
والعجيب أن أمم الأرض قاطبة تشاهد وتندد فقط دون حراك وبصمت عالمي أرهق الجميع، وإنسانية سقطت تحت أقدام السوريين الذين شهد لهم الصبر جولات وجولات.
هل سيأتي اليوم الذي ستنتهي فيه السنوات العجاف.. أم أن سنين أخرى تنتظر من بقي من السوريين على أرض الوطن؟!